الخسائر تلاحق مضاربي الدولار في سوق السودان الموازية
وكالات اثيرنيوز
كسبت الحكومة السودانية رهان تحجيم السوق الموازية للدولار، وإلحاق المضاربين خسائر باهظة، وخروج بعضهم من هذه السوق على أمل القضاء عليها نهائياً، وذلك بتطبيقها قرار توحيد سعر الصرف الرسمي والموازي للعملة المحلية في فبراير الماضي، ضمن برنامج إصلاح اقتصادي دولي، حيث شهد سعر الدولار لعدة أشهر تقارباً بين مستواه في البنوك والسوق السوداء، بسبب زيادة تدفقات النقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية، وعودة ارتفاع المعروض النقدي بالدولار الأميركي.
ويبلغ سعر الدولار في البنوك السودانية 445 جنيهاً، مقابل 449 جنيهاً في السوق الموازية، بفارق أربعة جنيهات، حيث كان الفارق بين السوقين في السابق يصل إلى أكثر من 50 جنيهاً. جاذبية السعر وأرجع أستاذ الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور، تأثر السوق الموازية وانكماشها إلى عوامل عدة، أهمها أن سعر الصرف في البنوك أصبح جاذباً للمواطن السوداني، وآمناً في ظل الحملات الأمنية على المتعاملين في هذه السوق، إضافة إلى انخفاض الطلب على الدولار بشكل عام، بالتالي قل الضغط على السوق الموازية، فضلاً عن النتائج الإيجابية لمؤتمر باريس الذي عقد منتصف مايو الماضي، وما صاحبه من جهود بإعفاء 60 في المئة من ديون السودان البالغة 56 مليار دولار، وكذلك تدفق أموال من الخارج لدعم الاقتصاد السوداني، ودخول عدد من المستثمرين للاستثمار في البلاد.
وأشار نور إلى أن من الأسباب الرئيسة أيضاً لتراجع نشاط السوق الموازية للعملات الأجنبية، أن التعامل بالدولار أصبح كبيراً وواسعاً، بخاصة في جانب شراء وتأجير العقارات والسيارات، وما سهل ذلك أن التداول بالعملات الأجنبية بات متاحاً عبر المصارف، وهو ما أسهم في جذب كميات كبيرة من النقد الأجنبي إلى البنوك، فضلاً عن حرية حركة الموردين الذين أصبح لهم الحق في تمويل احتياجاتهم من السلع المسموح بها بنصوص حددها بنك السودان المركزي، وذلك من خلال حساباتهم المصرفية. لكنه يرى أن سعر الصرف الحالي ما زال عالياً، ولا بد من انخفاضه إلى مستويات أقل، بجانب ارتفاع التضخم، وهو ما يتطلب جهداً مضاعفاً لتراجعه، لأنه بلغ مستويات مخيفة، إضافة إلى أن تحديد البنوك مبلغ ألف دولار للشخص المسافر خارج السودان يجعل كثيرين يلجأون إلى السوق الموازية، لتأمين احتياجاتهم من النقد الأجنبي.
زيادة الوعي في حين يرى الباحث الاقتصادي الزبير وراق أن استقرار سعر الصرف يرجع إلى عدة أسباب، من أبرزها استمرار بنك السودان المركزي في توفير النقد الأجنبي للمصارف من طريق المزادات، وتواصل الحملات الأمنية لمحاربة السوق الموازية، ومن يتعاملون معها، وتشديد الرقابة على البنوك في مسألة التعامل في النقد الأجنبي، وتراجع حجم الاستيراد نتيجة للقرارات الخاصة بتحديد السلع المسموح بدخولها إلى البلاد، إلى جانب ارتفاع سعر الدولار الجمركي، ما أدى إلى توقف استيراد السلع الكمالية، ومطالبة البنك المركزي المصدرين بتوريد حصائل الصادر إلى خزانة الدولة، فضلاً عن الوعي بأهمية التعامل مع البنوك بدلاً عن السوق الموازية من أجل دعم الاقتصاد الوطني.
كذلك لفت إلى أن تضييق الخناق على تجار العملات الأجنبية الذين يقومون بتحويل أموال المغتربين السودانيين في دول الخليج كان له بالغ الأثر في إعادة ثقة المغترب السوداني بالبنوك الرسمية، إضافة إلى تفاجؤ كثيرين بتوفير البنوك والصرافات أموالاً ضخمة من الفئات الكبيرة بسعر أعلى للدولار عن السوق الموازية، إلى جانب إيجاد تسهيلات عديدة للمتعاملين مع البنوك.
مطالباً بعمل عدد من البنوك والصرافات خلال أيام العطلات الأسبوعية والرسمية، واستمرار قيام المزادات بضخ مزيد من العملات الأجنبية للبنوك والشركات العاملة في مجال الاستيراد، وإيجاد بورصة للذهب، إضافة إلى أهمية إيفاء المجتمع الدولي بمخرجات مؤتمر باريس، ما يساعد على استقرار الاقتصاد بشكل عام.
خسائر باهظة في المقابل اعترف عدد من التجار العاملين في السوق الموازية للدولار بتراجع نشاطهم بنسبة 80 في المئة، بسبب منافسة البنوك لهم، وتوفيرها العملات الأجنبية لشراء احتياجات البلاد من السوق الخارجية، فضلاً عن تأمين حاجة المسافرين إلى خارج البلاد، حيث قال تاجر العملات (ع ح) إن نشاطهم تأثر بشكل كبير منذ قرار الحكومة بتعويم الجنيه، فقد ظل هناك تقارب بين السعرين، بالتالي أصبح هامش الربح لا يذكر، ما جعل البعض يبحث عن نشاط آخر، بل إن هناك عدداً كبيراً من التجار تعرض لخسائر باهظة، بسبب الانخفاض المتوالي لسعر الدولار.
فيما أوضح تاجر آخر يدعى (م س) أن العمل في سوق العملات الموازية أصبح غير مجد لقلة الطلب على الدولار والعملات الأخرى، بسبب تفضيل الغالبية التعامل مع البنوك، في ظل تساوي الأسعار وتقاربها في أحيان كثيرة بين السوقين، إضافة إلى مخاطر الحملات الأمنية التي رصدتها أجهزة الدولة لمحاربة العاملين في السوق الموازية، مشيراً إلى أن سوقهم تنشط في فترة العطلات لتوقف البنوك عن العمل، وهو يظل نشاطاً محدوداً مقارنة مع السابق، حيث كانت الدولة تعتمد على السوق الموازية لتغطية حاجتها من استيراد السلع بخاصة الوقود، لكن الأمر اختلف حالياً بعد تدفق كميات كبيرة من النقد الأجنبي إلى خزانة الدولة من الخارج، بالتالي أصبحت هناك وفرة للدولار في البنوك الرسمية.
إعادة هيكلة وتطبق الحكومة الانتقالية في السودان برنامج إصلاح يراقبه صندوق النقد الدولي، قررت في ضوئه رفع الدعم نهائياً عن الوقود (البنزين والغازولين)، وهو ما أدى إلى تواصل ارتفاع الأسعار أثناء تنفيذه، وشكل أعباءً إضافية على المواطنين.
ووافق نادي باريس، في وقت سابق على شطب 14 مليار دولار من ديون السودان، وإعادة هيكلة بقية المديونيات، حيث دعمت تلك الإجراءات الثقة في قدرة الحكومة السودانية على توفير المعروض اللازم من الدولار لتلبية احتياجات مواطنيه.
كما وافقت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، خلال انعقاد مؤتمر باريس الذي نظم لدعم الاقتصاد السوداني، على تسوية متأخرات السودان للمؤسسة المالية الدولية، وهو ما يزيل عقبة أخيرة أمام الخرطوم للحصول على تخفيف أوسع نطاقاً لديون خارجية لا تقل عن 50 مليار دولار.
وكان محافظ البنك المركزي السوداني محمد الفاتح زين العابدين، قد قال للصحافيين في أول يوم لتطبيق قرار توحيد سعر الصرف، “من شروط المانحين لتمويل مشروع دعم الأسر الفقيرة توحيد سعر الصرف، ومنذ الغد ستبدأ أموال المانحين تنزل في حساب وزارة المالية”.
واعتمدت الحكومة الانتقالية برنامجاً لتقديم دعم شهري إلى 80 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة، للتكيف مع إصلاحاتها الاقتصادية. ويجري تمويل هذا البرنامج عبر عدد من المانحين، منهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وعانى اقتصاد السودان جراء عقود من العقوبات الأميركية في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير، وعديد من النزاعات، ومن انفصال جنوب السودان في 2011.