بروف هاشم علي سالم يكتب … خربشات على جداريات الحوار (41) …وجبة ام تلاتية…
بروف هاشم علي سالم يكتب … خربشات على جداريات الحوار… (41)
…وجبة ام تلاتية…
كانت وجبة الإفطار تقدم كما ذكرت في قاعة الصداقة بالقرب من قاعات اجتماعات اللجان والوجبة الأخرى في مقر السكن سواء كان السكن في فندق أو شقة..
ولكن هناك من اختار السكن في منازل عادية وسط الأحياء وهؤلاء اندمجوا أكثر مع بقية المواطنين ولم يطلبوا حتى حراسة لهم وآخرون رفضوها حتى.. والسكن كان يوفر لأعضاء الحركات المسلحة فقط التي تشارك في الحوار ولم يوفر اي سكن لأعضاء الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار..
كنا نقوم بزيارات لهم في أماكن سكنهم للاطمئنان على خدمات سكنهم ولم نجد مشكلة تذكر في هذا الجانب… وفي أحد الأيام قمنا بزيارة بعضهم في احد الأحياء العادية وكان وقت وجبة العشاء..
ومن طبائع السودانيين المتأصل في دم عروقهم أن لا يتركوك تغادر الا بعد ان تأكل معهم.. ولم تكن عزومة مراكبية بل أصروا بقوة أن ناكل معهم.. تلفتنا تجاه المطبخ ولم نرى قدرا في النار ولم نشتم رائحة طعام ولم نرى نارا توقد حتى..
خرج اثنان منهم وبعد زمن ليس بالقصير أتوا وهم يحملون صحنا كبيرا من نوع الصحون التي يحتفظ بها أصحاب الدكاكين في الأحياء.. وضعوا الصحن وتحلقنا حوله.. كان فتة فول تم إعدادها بعناية وبها كل مشهيات البوش..
البصل والليمون والطماطم والطعمية والجبنة وفوق كل ذلك كانت مترعة بزيت السمسم.. أكلنا كما لم ناكل من قبل.. وكان الذين يقطنون هذا المنزل قادة ميدانيين لأحد الحركات المسلحة..
كانوا وكأنهم يسكنون منذ سنوات في هذا المنزل.. يعرفون كل جيرانهم وينادونهم بأسمائهم وكونوا علاقات طيبة مع صاحب الدكان في الحي.. أردنا أن نخرج لهم كلمات تحتوي احساس مشاعر بها اعتذرات خجولة ولكنهم ردوا بأنهم مبسوطين هنا حتى من نوعية الأكل ومستواه..
ولأنه ليس لديهم زمن لتجهيز وطبخ أكلهم فهم ياكلون مايتوفر بالقرب منهم وهنا تدخل قائدهم بأنهم في أحسن حال وان ما ياكلونه هنا احسن مما كانوا يأكلون في الغابة ايام الحرب.. وخرج سؤال تلقائي ماذا كنتم تاكلون في الغابة إذا.. أجاب… أم تلاتية… وماهي ام تلاتية هذه.. هي وجبة مكونة من ثلاثة مكونات فقط كما ذكر.. تتكون من الماء والبصل والويكة.. ثم يصبونها على العصيدة… ويأكلونها احيانا في كل الوجبات..
لعن الله الحرب ولعن من يوقد نارها ومن دعى لها.. صنعت البندقية لكي تصوب على صدور أعداء الوطن وليس على أبناء الوطن.. مازلنا ننتظر ذلك اليوم لتصبح كل البنادق في الوطن بندقية واحده لها زناد واحد يحركه اصبع الوطن ليرد به عدوا للوطن..
مازلنا ننتظر بألا يراق دم أبناء الوطن بواسطة أبناء الوطن مهما كانت الخلافات فإنها تحل داخل الوطن ولا يحتاج الحوار إلى بندقية ولا حتى الي رصاصة تطلق في الهواء فرحا.. نحتاج إلى طورية وفاس ومنجل وأدوات بناء..
فهل نضع البندقية يوما في أرشيف ذاكرة الوطن لأنها فشلت في حل مشاكلنا بل زادت مشاكلنا تعقيدا.. متى يأتي ذلك اليوم ويسود فيه الحوار الذي يدعوا لوطن يسع أكثر مما نتصور…
بروف هاشم على سالم