هل باتت منصات الفرجة قريبة من إسدال الستار على دور السينما؟
تراجعت مكانة التلفزيون والسينما، بشكل ملحوظ، في ظل اكتساح المنصات ووسائط العرض الحديثة، ولم يعد الجمهور يتابع الأعمال الفنية، على غرار ما كان يفعل في السابق، وهو يحدق في الشاشة أو يشتري تذكرة ليدخل إلى السينما ويشاهد فيلما.
ويرى مهتمون بالشأن الفني أن المنصات ستكون لغة السوق وعجلة الإنتاج الجديدة، فيما ستقوم باستقطاب الفنانين الموهوبين.
وخلقت المنصات فرصاً عديدة أمام المنتجين لخوض غمار المنافسة على مدار العام، بعدما كان موسم “دراما رمضان” هو الأبرز والأعلى مشاهدة والأكثر تأثيراً، فهل ستبتلع المنصات كل شيء أم إن متابعة الأفلام في دور العرض ومشاهدة المسلسلات على شاشة التلفزيون سيظل لهما مذاقهما الخاص؟
وتطرح التساؤلات أيضا حول ما إذا كانت الأدوات القديمة للفُرجة ستبحث عن أساليب وطرق جديدة للمنافسة مثلما فعلت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى من خلال تأسيس ظهير رقمي يضمن لها المنافسة في ساحة مختلفة؟
وأصبح الصراع على أشده بين المنصات الرقمية، والأرقام تتحدث عن تنافس شديد وتشير إلى احتدامه فى الفترات المقبلة، فقد ارتفع عدد المشتركين في Netflix، ليتجاوز 200 مليون مستخدم للمرة الأولى، بينما حققت «شاهد» و«شاهد بلس» مع نهاية شهر رمضان الماضي 27 مليون مُستخدماً.
المستفيد الأول
يقول الناقد الفني محمد عبد الرحمن، إن الدراما العربية هي المستفيد الأول من منصات البث التدفقي حتى الآن، فهذه المنصات تعمل على جذب أكبر عدد من الجمهور عن طريق زيادة مخزون محتواها فلا تعتمد فقط علي المخزون الأرشيفي السابق عرضه بل تعمل علي الإنتاج المستمر و العروض الحصرية.
وأضاف أن من يقوم بدفع اشتراك شهري يريد أن يحصل علي كل ماهو جديد و بالتالي ظهرت الدراما محدودة الحلقات من 6 إلي 10 حلقات ، كفرصة للتنوع .
“إنعاش الدراما”
ولا يزال الوقت مبكرا للإفصاح عن مدى استفادة الدراما فنيا من هذه المنصات، ولكن ثمة من يقول إنها أفادتها من الناحية الإنتاجية بشكل كبير وأدت إلى انتعاشها وظهور جيل جديد من المنتجين و المخرجين والممثلين قادر علي تلبية هذا الاحتياج.
ولم تقف الفائدة عند ذلك الحد، بل وصلت الرسالة إلي منتجي مسلسلات رمضان بضرورة توافق نوعية تلك المسلسلات مع العرض عل المنصات، والفترة المقبلة ربما تشهد تغييرا كبير في هذا المضمار.
“جمهور السينما “
وأضاف عبد الرحمن في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، “لا نستطيع القول إن جمهور السينما مستعد للتنازل عن الجلوس في قاعات العرض، ولذا فهي أصبحت مفيدة للسينما علي مستوى التوزيع الخارجي وأثناء عرض الفيلم بدور العرض المصرية ، يمكن إذاعته مباشرة للمشتركين بالدول العربية الأخرى”.
وأضاف أنه “لا يمكن في الفترة الحالية الاستغناء عن السينما عبر تلك المنصات، لأن حالة الوصول إلى السينما والجلوس علي المقاعد ما زالت تقليدا يسيطر علي الجمهور حتى أثناء الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا كان الجمهور يشتاق كثيرا للذهاب الي السينما، أما فيما يخص البرامج فلن تؤثر المنصات بشكل أو بأخري لأن الجمهور غير معتاد علي مشاهدة البرامج في غير فترة عرضها.
“الإنتاج والإيرادات”
وعن الإنتاج وحجم الإيرادات، يتحدث المنتج المصري هشام عبد الخالق، لـ “سكاي نيوز عربية” قائلًا “المنصات الإلكترونية أفادت السينما و الدراما بشكل كبير ، ويجب من البداية توضيح العملية الإنتاجية والإيرادات”.
وأوضح أنه “أولًا عند إنتاج الأفلام، تكون هناك تكلفة مادية أيا كان قدرها، يحصل المنتج علي أموال تلك التكلفة عن طريق دور العرض و السينمات بمصر، أي العرض الداخلي ثم دول الخليج وشمال إفريقيا أي العرض الخارجي.
وقديمًا كان هناك الفيديو و DVD و المحطات المشفرة و المحطات المفتوحة، فكانت تلك الوسائل هي طريق تجميع الإيرادات، ولكن اليوم لم يعد الفيديو موجود ولا DVD وكذلك إغلاق معظم المحطات المتخصصة والتي كانت تمثل مصدرا هاما، لأنها كانت مايقارب 6 محطات وكان الإنتاج الفني قليلا، وهو ما كان يؤدي إلي شراء العمل الفني بسعر مرتفع، ولكن اليوم تم إغلاق معظمهم ولم تتبقي سوى واحدة، وأصبح هناك كم كبير من الأفلام و بالتالي أصبح الدفع المادي عبر مراحل وليس دفعة واحدة.
“نافذة جديدة”
وتابع عبد الخالق “المنصات فتحت نافذة جديدة للدراما وخلقت فرص لإنتاج المسلسلات القصيرة و تشغيل عدد كبير من الممثلين، وأثرت بشكل إيجابي أيضا على السينما، فقامت بتحريك العمل الفني بغض النظر عن القيمة المالية.
وأوضح أن السينما لها طبيعة خاصة وخصائص تميزها عن المنصة فلكل منهما طبيعة خاصة وطريقة عرض مختلفة، ففي المنصات، يختار المشاهد الوقت المناسب لمشاهدة أي عمل وكذلك يختار المكان الذي يشاهد به، ولكن السينما لها مميزاتها من حيث الشاشة الكبيرة والصوت و المقاعد و التي يعتبرها الكثيرون اليوم بمثابة نزهه وفسحة.
وتابع قائلا “اليوم يوجد القليلون ممن يخرجون لمشاهدة فيلم فقط ثم العودة للمنزل، وأصبح العدد الغالب يذهب لمشاهدة الأفلام بالسينمات ضمن خطة نزهة تشتمل علي مشاهدة الفيلم وتناول الطعام ورؤية الأصدقاء وهكذا، وهو ما ينفي تخوف البعض من تأثير المنصات علي السينما، لأن من يرغب بمشاهدة الفيلم و يتعجل في ذلك يذهب إلى السينما ومن لدية القدرة علي الصبر حتي يتم عرضه علي المنصة ينتظر مشاهدته خلالها، فكلًا منهما له خصائصه.
“المنصات وكورونا”
وأوضح أنه لم يختلف تأثير المنصات في الدراما عن السينما، فهي أثرت بشكل إيجابي علي الاثنتين، وظهر دورها بالأكثر خلال فترة الحجر الصحي وانتشار فيروس كورونا، أثناء غلق السينما فكان الجميع يتجه لتلك المنصات لمشاهدة ما يريدون.
وكشف عن دورية عرض الأعمال السينمائية وترتيب طرحها قائلًا “يتم عرض الفيلم أولًا بالسينما، وبعد فترة، يتم عرضه خلال المنصة ثم المحطات التلفزيونية وهي عملية عرض ثابتة لا تتغير”، مضيفًا “تعد المنصات بمثابة مكتبة فيديو بالمنزل، وينتقي المشاهد منها ما يرغب في رؤيته وفي أي وقت وهي ميزة كبيرة، فهي مشاهدة عند الطلب، ولا يمكن القول إنها فرصة ثانية للأعمال الفنية التي لم تحظ بمشاهدة أثناء عرضها لأول مرة”.
“أعمال خاصة “
وعن إنتاج أعمال فنية تتوافق مع المنصات، رد قائلًا “هي عملية نفسية يقال بها إن هناك أفلاما لا يذهب إليها الجمهور لمشاهدتها بالسينمات، ولكن يمكن أن يشاهدها بالمنزل، وهو ما ينطبق علي نوعية معينة للأفلام، وتابع، “يوجد نوع معين من الأعمال يسمى ب “الأورجينال” وهو قيام المنصة بمخاطبة المنتج لتنفيذ عمل فني لها وتحدد قصته و أفكاره وأبطاله، ويجب التفرقة بين البيع للمنصة و الإنتاج الخاص للمنصة .
” سحب البساط”
وبسؤاله عن وجهة نظره حول سحب المنصات لبساط العرض من السينمات وبأنها ستصبح دور العرض الأولى، رد قائلًا “هذا كلام خاطئ وينم عن عدم دراية ومعرفة بصناعة السينمات، لأنه ببساطة لا يمكن توفير الجو العام للسينما عبر المنصات في المنازل.
وتعجب من الآراء التي تؤيد ذلك، قائلًا “لماذا يتملكنا الخوف دائما من كل ما هو جديد؟”.