الضربة الأميركية والملف النووي.. هل تحرك المياه الراكدة؟
بعد قرابة 6 أشهر من آخر ضربة شنتها القوات الأميركية على مواقع للحشد الشعبي في شهر فبراير الماضي، نفذت طائرات أميركية سلسلة من الضربات العسكرية على مواقع لفصائل “كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء” في كُل من سوريا والعراق، ليلة الأحد.
وذكر بيان البنتاغون أن الضربات استهدفت مستودعات أسلحة ومنشآت تستخدمها عدة مجموعات، وأنها تظهر أن الرئيس جو بايدن واضح في أنه سيتحرك لحماية الأميركيين، الأمر الذي يُعد تطوراً في مسار السياسة الخارجية التي تتخذها الإدارة الأميركية في تعاملها مع الفصائل العراقية المرتبطة بإيران.
ثلاثة تطورات حدثت خلال الشهور الفاصلة بين الضربتين الأميركيتين الأخيرتين. أبرزها انطلاق المفاوضات الدولية مع إيران بشأن الملف النووي، والتي بعد 16 جلسة من التفاوض في العاصمة النمساوية فيينا، وبحضور غير مباشر من قبل الولايات المتحدة، لم تُحقق نتيجة مُعلنة، في انتظار ما أسمته مختلف الأطراف “جولة القرارات الصعبة”، المتوقع عقدها خلال الشهر المقبل، قبل الوصول الرسمي للرئيس المُنتخب إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة.
كذلك شهدت هذه الفترة استمراراً للهجمات التي كانت تشنها مختلف فصائل الحشد الشعبي على شبكة من المواقع والمصالح الأميركية، سواء أكانت السفارة الأميركية في العراق، أو القواعد العسكرية التي يتمركز فيها قرابة 2500 جندي أميركي، أو حتى المؤسسات الأميركية في إقليم كردستان العراق.
التطور الثالث يتعلق بزيادة حضور فصائل الحشد الشعبي في المشهد الداخلي العراقي، من فرض مستلزمات سياسية وإدارية على الحكومة المركزية، مروراً باستعراضات عسكرية احتفالية داخل العاصمة، وليس انتهاء بالإعلان عن استحواذ أنواع محدثة وفتاكة من الأسلحة النوعية، بالذات الصواريخ الدقيقة والطائرة المُسيرة، التي استخدمتها طوال هذه الشهور أثناء هجماتها.
الضربة الأميركية الأخيرة لفصائل الحشد هي محاولة من قبل واشنطن للقول إن السياق المتخيل من قبل إيران كنتيجة للتوازن بينها وبين الولايات المتحدة في العراق لن يحدث، حسب ما قاله الخبير الأمني اللواء ناجي السماوي، في حديث مع “سكاي نيوز عربية”.
وأضاف أن “إيران تزواج بين المفاوضات السياسية غير المباشرة مع أميركا في فيينا وتستمر في شن الهجمات العسكرية على المصالح والمواقع الأميركية في العراق، وكأنها تسعى للقول إن بعض التوافقات السياسية والتنازلات في الملف النووي، يجب أن تمر عبر تنازل عسكري مطلق من قِبل الولايات المتحدة في العراق. هذا المنطق الذي تصرفت على أساسه إيران خلال الشهور الماضية، قالت الضربة الأخيرة إنه لا يمكن أن يتواصل”.
الباحث السياسي العراقي أمجد سيد حقي شرح لـ”سكاي نيوز عربية” الفوارق الشديدة بين الإدارتين الديمقراطيتين، في زمني أوباما وبايدن، واستحالة انتهاج الإدارة الجديدة لنفس السياسات السابقة.
وذكر أن “الضربة الأخيرة لفصائل الحشد الشعبي هي أكبر دليل على ذلك”، مبرزا “الشكل العام الذي حكم علاقة إدارة الرئيس أوباما بإيران في منقطة الشرق الأوسط مر بمؤثرين جوهريين، كان الأول يكمن في البرنامج الانتخابي الذي صعد به الرئيس أوباما، والذي كان يتمركز حول السعي للانسحاب من الحروب التي خاضتها إدارة الرئيس جورج بوش الأبن، بالذات في العراق. المحدد الثاني كان يتعلق بمحاربة الإرهاب، فالسنوات الخمسة الأخيرة من عمر الإدارة الأميركية في زمن أوباما شهدت شراكة غير معلنة بين الولايات المتحدة وإيران في محاربة التنظيمات التي احتلت مناطق واسعة من العراق وسوريا. ولأجل ذلك بالضبط كانت ثمة مهادنة أميركية كبرى لإيران في المنطقة”.
ويضيف سيد حقي: “لا تحاصر تلك الظروف الإدارة الأميركية الحالية، ومجموع أفعال إيران في المنطقة تُعد مساً بالأمن القومي الأميركي، لأن انسحاب الولايات المُتحدة أمام إيران في كُل من سوريا والعراق إنما يعني عودة التنظيمات المتطرفة واستمرار إيران في سياساتها الطائفية، وقبل كل شيء كسر شوكة الولايات المُتحدة وثقلها العسكري والسياسي في المنطقة، كما يحدث راهناً في أفغانستان“.