إسرائيل تشتت 45 ألف عائلة فلسطينية وتحرمها لمّ الشمل
تشترط إسرائيل على العائلات التي يحرم أحد الأزواج فيها من لمّ الشمل، تجديد إقامته المؤقتة كل 6-12 شهرا، وإجراء الفحوص الوراثية والأسرية المكلفة، في تمييز صارخ ضد حقوق الفلسطينيين المدنية والإنسانية.
في مدينة الطيبة بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، تعيش أسمهان جبالي الترقب والهواجس بشأن مستقبلها المبهم، وهي المتزوجة هنا منذ 26 عاما، لكنها تُحرم من الإقامة الدائمة لأنها تنتمي لوالدين من طوباس بالضفة الغربية يحملان الهوية الفلسطينية (التابعة للسلطة الفلسطينية).
سردت جبالي -وهي أم 3 شبان- للجزيرة نت معاناتها التي تعكس حال جميع العائلات الفلسطينية المحظورة من لمّ الشمل “لدواعٍ أمنية” بحسب التبريرات الإسرائيلية، قائلة “تزوجت منذ 26 عاما، وصار عمر ابني البكر 25 عاما، وما زالت إسرائيل ترفض منحي الإقامة الدائمة”.
كانت أسمهان تتحدث بينما قررت الحكومة الإسرائيلية تجديد منع لمّ شمل العائلات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر (الفاصل بين المناطق المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967). وعلى جانبي هذا الخط الذي يفصل فلسطين التاريخية عن بعضها، تعيش 45 ألف عائلة في شتات، جراء “قانون المواطنة” الإسرائيلي المعمول به منذ 18 عاما.
ويُحظر على فلسطينيي 48 الزواج من دول عربية وإسلامية، أو لمِّ شملهم مع أزواجهم أو زوجاتهم من الضفة الغربية وقطاع غزة، في حالة تمييز عنصري تعكس صراع الديمغرافيا بين إسرائيل والشعب الفلسطيني.
وفي وقت يحتدم فيه الصراع بين الأحزاب اليهودية الشريكة بالائتلاف الحكومي الجديد برئاسة نفتالي بينيت، وأحزاب كتلة المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو، بشأن تمديد العمل بمنع لمِّ الشمل للعام الـ19 على التوالي والتصويت عليه بالكنيست، صعّدت العائلات نضالها المطالب بإلغاء العمل بالقانون، ومنح الإقامة الدائمة لأفرادها الذين يعيشون بلا استقرار.
شمل وتشتيت
تترأس أسمهان جبالي -وهي معلمة للتربية الخاصة، وناشطة اجتماعية وسياسية- لجنة العائلات التي تعاني من قانون المواطنة في مركز “مساواة” الحقوقي الذي يتولى المرافعة القضائية، وكذلك المتابعة البرلمانية لملفات منع لمّ الشمل.
وقالت “بدلا من إنهاء معاناتنا وحلّها جذريا، اختارت إسرائيل إجراءات صارمة تحول دون لمّ شمل العائلات لتتكدس الملفات في مكاتب وزارة الداخلية، فضلا عن آلاف الحالات التي لم تسجل رسميا فيها”.
وتشترط إسرائيل على العائلات التي يُحرم أحد الأزواج والأبناء فيها من لمّ الشمل، تجديد إقامته المؤقتة كل 6-12 شهرا، وإجراء الفحوص الوراثية “دي إن إيه” (DNA) وفحص العلاقة الأسرية التي تكلف ألف دولار عن الفرد الواحد بالعائلة.
تقول جبالي إن العائلات الفلسطينية المدرجة بالمنع من لمّ الشمل ويصل عدد أفرادها إلى نحو 300 ألف، تعيش حالة من الاستنزاف الاقتصادي والاجتماعي، علما بأن نحو 80% منها تحت خط الفقر، وتُحرم من أبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية كالصحة والعلاج والتعليم.
ولتضمن العائلة الحصول على العلاج في إسرائيل، تقول جبالي “يكون لزاما عليها دفع مبالغ طائلة لصناديق المرضى والتأمين الوطني للحصول على العلاج الطبي، تقدر بحوالي 250 دولارا عن الفرد الواحد شهريا، كما أن الزوجة الحامل ملزمة بإيداع شيك بنكي للمستشفى الإسرائيلي بقيمة 7 آلاف دولار للسماح لها بدخول المستشفى للولادة”.
عنصرية وتمييز
المعاناة ذاتها يعيشها منذ 16 عاما تيسير خطيب من مدينة عكا، الذي تزوج من شريكة حياته لانا زعرور من جنين بالضفة الغربية، وأنجبا 3 أولاد. وإلى الآن تُحرم عائلته من لمّ شملها، وتعيش تحت رحمة التصاريح الخاصة والإقامة المؤقتة التي تمنحها وزارة الداخلية الإسرائيلية لزوجته.
وتساءل خطيب -في حديثه للجزيرة نت- “إذا لم يتم اعتبار الزواج وتأسيس أسرة ولمّ الشمل قضية إنسانية، إذن ما هي القضية الإنسانية؟ ودعا القائمة العربية الموحدة التي انضمت للائتلاف الحكومي، لتكون سندا داعما للعائلات بإلغاء قانون منع لمّ الشمل.
ورفض خطيب أية “تعديلات صورية” على القانون، كمنح التصاريح والإقامة المؤقتة تحت بند الحالات الإنسانية، وحذر من تناغم القائمة الموحدة مع الائتلاف الحكومي الذي يسعى لتثبيت القانون وتكريس معاناة العائلات الفلسطينية المحرومة من لمّ شملها. وقال: “إذا كان لا بد من تمديد العمل بالقانون العنصري الذي يستهدف الشعب الفلسطيني، فمن الأفضل ألا يصادق عليه بمظلة عربية”.
معاناة وصمود
وقال خطيب إن ما يسمى “اللجنة الإنسانية” المنبثقة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية، معطلة منذ أكثر من عام، كما أن اللجنة التي شكلت منذ إقرار القانون عام 2003، خلقت آليات عملها شروطا تعجيزية تعمّق معاناة العائلات، وغيبت الاعتبارات الإنسانية، بحسب المفهوم الإسرائيلي، وهو ما عزز من منع لم الشمل وراكم الملفات بالآلاف.
ووسط الخلافات بين كتلة المعارضة والأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي بشأن تمديد العمل بالقانون أو تشريع جديد يمنع لمّ الشمل باقتراح من حزب الليكود، يعتزم خطيب نقل التظاهر والاعتصام إلى قبالة البرلمان الإسرائيلي لإثارة قضية منع لمّ شمل الفلسطينيين.
وقال خطيب “نرفض أنصاف الحلول، فبعد 18 عاما حان الوقت لإنهاء المعاناة والمصادقة على ملفات لمّ الشمل، ومنح الإقامة الدائمة للزوج أو الزوجة، وكذلك لجميع أفراد الأسرة المشتتة”.
حرمان وملاحقة
ويعيش خطيب مع زوجته كغيره من عشرات آلاف العائلات الفلسطينية، هواجس الطرد والملاحقة وعدم الاستقرار الأسري، ويخشى ما سيحل بعائلته ومصير زوجته إذا تم تمديد العمل بالقانون أو حال إقرار تشريعات جديدة تُضاف إليه، وهو ما من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة من التهجير وتشتيت العائلات الفلسطينية.
وكغيرها من العائلات المدرجة بالمنع من لمّ الشمل، حرم القانون عائلة خطيب من أبسط مقومات الحياة والخدمات الأساسية أو حتى السفر والسياحة خلال العطلة الصيفية خارج الوطن، في وقت التنقل فيه داخل الوطن محفوف بالمخاطر.
ويحرم القانون زوجة تيسير خطيب -كأي شخص لا يحمل الإقامة الدائمة- من العلاج وتلقي الخدمات الاجتماعية وحتى قيادة السيارة والاستقرار في عكا والعمل في البلاد، كونها لا تحمل الإقامة الدائمة.