عبدالقادر محمد المحامي يكتب عن حق مجلس السيادة في إقالة رئيسة القضاء وقبول إستقالة النائب العام وتعيين بدلاء.
عبدالقادر محمد المحامي يكتب عن حق مجلس السيادة في إقالة رئيسة القضاء وقبول إستقالة النائب العام وتعيين بدلاء.
رصد- اثير نيوز
من المعلوم أن المرجعية في تعيين وإقالة أو قبول إستقالة أي من شاغلي منصبي رئيس القضاء والنائب العام، هي الوثيقة الدستورية والتي عقدت تلك السلطة لمجلسي القضاء والنيابة. ولما كانت تلك المؤسسات غير مشكلة، فقد عهدت الوثيقة بهذه السلطة – إستثناء – لمجلس السيادة.
و يلاحظ أن النص ورد بصورة تجعل ذلك التعيين قاصرا على التعيين الأول الذي يتم في بداية الفترة الانتقالية، بإعتبار أن المجلسين المعنيين سيتم تشكيلهما دون إبطاء ليباشرا إختصاصاتهما. غير أنه ويا لخيبة أملنا، فقد سارت الأمور كلها وبسوء نية، في إتجاه عدم تنفيذ أهداف الفترة الإنتقالية ومنها الإصلاح العدلي الشامل، البشري والتشريعي والمؤسسي، الذي ينتج عنه تشكيل المجلسين، ومن هنا نشأ السؤال عن حق مجلس السيادة في إقالة رئيسة القضاء وقبول إستقالة النائب العام وتعيين بديلين عنهما؟
وللإجابة على هذا السؤال بالفهم القانوني لن نلجأ لقانون تفسير القوانين الذي يقول أن من يملك سلطة التعيين يملك سلطة العزل، ليس فقط لأن هذا النص مقصور على السلطة المستمدة من القانون وليس الدستور، وإنما أيضا لأن المطلوب هو النظر في الحق الدستوري لمجلس السيادة في الإقالة وقبول الإستقالة قبل النظر في حقه في تعيين بدلاء.
عليه يكون السؤال هل يجوز تفسير أو حمل ذلك النص الدستوري بحيث يكون لمجلس السيادة سلطة الإقالة وقبول الإستقالة وتعيين بدلاء ما دام المجلسين لم يشكلا بعد ؟
دون حاجة للدخول في تعقيدات الحديث عن الدساتير الجامدة أو المرنة والنظريات الفقهية والإجتهادات القضائية المتعلقة بتفسير الدساتير، أقول أننا أمام نص دستوري يتسم بالقصور بما يستوجب سد ذلك القصور بالإجتهاد الذي يتسق وواقع الحال الإنتقالي الثوري، ولا يحول دون ذلك القول بأن المشرع الدستوري قصد منح مجلس السيادة سلطة إستثنائية لحين قيام المجلسين .
فبعيدا عن أسباب عدم قيام المجلسين، هناك أسئلة تفرض نفسها وبإلحاح، ما هو الحل إذا توفي أو إستقال أي من شاغلي المنصبين ؟ ما هو الحل حال إرتكاب أي منهما فسادا يسيئ للدولة بأكملها؟ وما هو الحل في حالة ثبوت تعمد إجهاض هدف الثورة في تحقيق العدالة؟
هل سنكون في إنتظار تحقق الإصلاح العدلي ليخرج من رحمه المجلسين المعنيين، وهو هدف يقف الجميع ضد تحقيقه؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تقول أنه لا بد من تغطية النقص في الوثيقة بتوسيع الفهم بأن يكون لمجلس السيادة حق الإقالة وقبول الإستقالة ما دام المجلسين لم يشكلا بعد .
وحتى بالمنظور العام لا أرى حكمة في الوقوف ضد ما تم من إقالة وقبول إستقالة بحجة أن ذلك يتماهى والشمولية الجديدة، فجميعنا يعلم أن المكون العسكري بمجلس السيادة أو حتى رئيس المجلس أو نائبه منفردا، يباشر ما يشاء من السلطات الممنوحة للمجلس مجتمعا بل ويتعدى على سلطات الحكومة التنفيذية بغرض إجهاض الثورة وتكريس الشمولية، ونعلم أن إقالة رئيسة القضاء وقبول إستقالة النائب العام، تمت لأسباب لا علاقة لها بالحرص على الثورة وأهدافها، لكن وبالرغم من كل ذلك هل المطلوب أن نرفض الإقالة وقبول الإستقالة بحجة أن الوثيقة لا تعطي مجلس السيادة ذلك الحق وعلينا إنتظار تشكيل المجلسين، ونحن نعلم أن المقالة والمستقيل كانا يقفان عقبة في طريق الإصلاح العدلي الذي ينتج عنه تشكيل المجلسين، بل فيهما من إرتكب ما يشكل خيانة للثورة ودماء الشهداء. ؟
علينا إذن أن نمضي وسط هذه الأشواك بحكمة نحو ما يحقق أهداف الثورة و يجعل جذوتها متقدة، دون أن نجعل من الوثيقة الدستورية (الوسيلة) صخرة تقف في طريق تحقيق أهداف الثورة (الغاية)، وفي ذات الوقت علينا أن لا نجعل الوثيقة صنما من العجوة نعبده ونلتهمه متى ما نشاء، والتفريق بين هذا وذاك يكون بالإلمام الكامل بكل تعقيدات المشهد وتضارب المصالح وإختلاف النوايا بين من يشكلون ذلك المشهد.
أما عن تعيين البدلاء فدون حاجة لربط الأمر بالوثيقة أرى أن نقف ضد قيام مجلس السيادة بتعيين رئيس قضاء أو نائب عام جديدين، فخانة كل منهما يشغلها تلقائيا نائبيهما، وعلينا الإكتفاء بالمطالبة بتفعيل قانون إصلاح الأجهزة العدلية، ليتشكيل المجلسين وليقوما بممارسة سلطاتهما. فلا ضرورة للمطالبة بتعيين المزيد ممن يتبؤون المناصب ويحققون الفشل العمدي فيقالوا أو يستقيلوا ويظلوا يرهقون خزانة الدولة بالرواتب والمخصصات.
صحيح أننا لا نستطيع أن نضمن عدم قيام من سيعملون بالإنابة بتكرار سيرة من سبقوهما، لكننا بالمثل لا نستطيع أن نضمن أن من سيتم تعيينهما (سواء بإرادة الثوار أو العسكر) سيسيران في طريق الإصلاح العدلي وتحقيق العدالة، والحال كذلك، ليس أمامنا إلا أن نتعلم من التجارب بأن تكون هناك رقابة مجتمعية صارمة على أداء شاغلي تلك المناصب ليشعر أصحابها بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ثم علينا تغيير سياستنا تجاه من يتولى منصبا عاما فيخون مطلوباته، لينعم بالإقالة أو قبول الإستقالة والمخصصات، لقد آن الأوان لتفعيل مبدأ المحاسبة وفقاً لقواعد المسؤولية الجنائية أو المدنية الشخصية، حسبما يكون الحال، إذ لا يعقل أن يستغل البعض الوظيفة العامة في الإضرار بالجمهور والتفريط العمدي في كل ما يحقق المصلحة العليا للبلاد لنكتفي بإقالته أو قبول إستقالته.
بكل تواضع، وفي ظل الوضع الراهن، لا أرى انه من صواب الرأي المطالبة بتعيين فلان رئيسا للقضاء و فلان نائبا عاما، فيستجاب للطلب ليدورا في ذات الفلك، أو يرفض الطلب فيكون ذلك خصما على قوة وهيبة الحراك الثوري.
يجب علينا تفعيل الحراك الثوري في إتجاه تحقيق الأهداف الكلية دون الدخول في التفاصيل وطالما كانت العدالة من أهم شعارات الثورة فلا سبيل إلا بالمطالبة بتفعيل قانون مفوضية إصلاح الأجهزة العدلية وأن يخضع تطبيقه لرقابة مجتمعية لصيقة تفرض وجودها لتضمن تحقيق الأهداف وتحول دون الإلتفاف.
وإذا كان لا بد من كلمة بمناسبة ذكرى 3 يونيو، فإن وعي الثوار كفيل بأن يجعل منها مزيدا من الاصرار على إكمال مسيرة الثورة فهم يدركون أن الفشل والإفشال والتخبط الذي عم آليات ومؤسسات الحكم السيادي والتنفيذي والعدلي والحاضنة السياسية، نتيجة طبيعية للتآمر والتحرش العلني بالثورة ممن عهد إليهم تحقيق أهدافها، وبالرغم من ذلك فإن الثوار سيتمسكون بالسلمية بعيدا عن كل ما يهدف لجر بلادنا للفوضى، فمهما كانت الصعاب وكثافة الغبار، ستنتصر الثورة وسيقف في صفها من يعادونها فهي طريق النجاة الوحيد لبلادنا ولكل أهلها.
عبد القادر محمد أحمد
المحامي