صدى الواقع محمد مصطفى الزاكي يكتب.. لاتنسى مطلب الطريق يا الحاكم مناوي
المطلب في غاية الأهمية، والقضية تكفي أنها كانت الدافع الأول لانتفاض شباب دارفور، وحملهم السلاح في وجه الدولة، كاد اليوم أن يبلغ نضالهم سن العشرين، ولا زال طريق الإنقاذ الغربي حلماً يؤرق أهل دارفور.
كتبنا من قبل وقلنا أن طريق ( نيالا – كأس- زالنجي)، كان أفضل مشاريع وحسنات المرحوم الخالد في قلوب أهله، الأستاذ أحمد إبراهيم دريج(الزعيم المنفرد بأهل دارفور)، وكان الطريق مدخلاً لقلوبهم، على اختلاف أعراقهم والقبائل.
تحسسوا عظمة الإنجاز في تفاصيل حياتهم، فحفظوا له ذلك الجميل، الذي ترجموه يوم التأبين في زالنجي، ملحمة فغرت لها الأفواه عجباً وتعجباً، حيث ضاقت المدينة بالوفود التي احتشدت من كل الفجاج، (العميان شايل المكسر) مقولة سودانية بليغة وصفت ذلك المشهد،فضاعت بين الجموع، بطاقات الأحزاب، ووشاحات القبائل، وتمازجت الألوان مع أصداء اللهجات واللغات المختلفة، وانسجم الناس داخل جلابية دريج دون أي إحساس بضيق المكان.
صدقوني عامة الناس لا يهتمون بمن يحكم؟ولا تفتح قلوبهم الإنتماءات والولاءات القبلية والسياسية، كما لايكترثون لأحاديث السياسة الممجوجة، إلا في حدود الفضول والتعرف على مصطلحاتها، لغرض الاستهلاك في جلسات الإنس، لكنهم يعتقدون في الحاكم، أنه ذاك الكائن المسخّر لقضاء حوائج الناس!، وليس كحال حكام يومنا هذا الذين يتصارعون عند أفواه أطفال الكادحين، ينتزعون منهم اللقمة ليطعموها أبنائهم بدم بارد.
وها قد جلس على كرسي حاكم إقليم دارفور أحد الشباب الثائرين ضد ظلم حكومة المركز، ويعتبر مني آركو مناوي من الأولين، الذين رفعوا السلاح بدافع مطلب طريق الإنقاذ الغربي العابر لدارفور وكردفان، فمن الواجب عليه أن يضعه في أولوياته القصوى، حيث لم يبقى منه سوى سريحة لا تتجاوز العشرة في المائة من إجمالي المسافة (يبدأ من مخرج نيرتتي الغربي وينتهي في مدخل زالنجي الشرقي)، يمكن أن ينفذه السيد الحاكم من ميزانية مكتبه فقط ولا يحتاج إلى تدخل الدكتور جبريل وزير مالية السودان، الذي يعتبر أيضاً من الفتية الذين ساقتهم مطلب هذا الطريق لساحات الوغى فليسهم هو في الجزء الأكبر المتبقي من الطريق الرابط بين منواشي والفاشر وهو الهم الذي يقلق الأهالي كثيراً خاصة في فصل الخريف حيث يقف وادي مسكو، وقوز أبو زريقة عظم حوت في حلقوم المسافرين، وشزاكاً متيناً يستغله المتفلتين لاصطياد أرواح المارة ونهب أموالهم .
هذا الطريق سينعش كل الغرب الأفريقي والإقتصاد السوداني، بربط البلاد بدول غرب أفريقيا التي تفتقر غالبيتها إلى الموانيء، فتخيل معي عزيزي القاريء كم دولة ستستورد عبر ميناء بورتسوداننا وسوف تصدر؟، وكم من الدولارات ستدخل خزينة المالية كل نهاية يوم من إيرادات الميناء فقط دعك عن الباقي(علاج، تسويق، وسياحة….الخ).
لا أبالغ لو صرّحت بأن إنتاج جبل مرة السياحي والبستاني والمعدنى لوحده، سيكفي لتمزيق فواتير الصحة والتعليم لدى كل شعب السودان، في حال تمكنت (حكومة مناوي التي نتمنى لها الهداية والرشد) من ربط مناطق الجبل بشبكة طرق معبدة؛ لذلك أنصحه بألا يصطحب معه إلى دارفور هذه المرة، ذلك النوع من الوفود السياسية المسيخة والمتكلفة، ونقترح له فكرة جديدة في حال أراد القدوم لتسلم مهامه حاكماً على أهل دارفور ،ألا تشغلك نصائح حارقي البخور وحاملي حقائب المصالح والمظاريف، قطعاً سيسوقون لك وهماً من مخيلاتهم المريضة ليضللونك عن الجادة، أتركهم هناك في قاعاتهم الصقيعة، وتعال للناس مستصحباً معك الهمة والخبراء والمهندسين، وآليات الرصف الثقيلة والخفيفة، لتستهل فقرات برنامج الزيارة، بسفلتة الطرق الوعرة وتشييد الجسور والكباري، لتربط كل ريف دارفور بحواضرها، ساعتها سيحبك الناس ويحملوك في الأعناق ويحتفظون لك تاريخاً تخلد به في القلوب، صدقني لو رصفت الطرق فقط ولم تفعل شيئاً غيرها لكفتك إنجازاً و زعامة.