الـ(واشنطن بوست) الأمريكية تطالب الرئيس ترامب بوقف مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة وأن يفرض عليها عقوبات حتى توقف دعمها العسكري والمالي لقوات الدعم السريع لإنهاء أكبر كابوس إنساني في العالم

نشرت هيئة تحرير صحيفة (واشنطن بوست) في افتتاحيتها التحريرية اليوم عن حرب السودان. وشبهت فيه جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها ميليشيا الدعم السريع بجرائم الخمير الحمر في كمبوديا قبل خمسين عام، ودعت (واشنطن بوست)، الإدارة الأمريكية للتحرك لايقاف الحرب ووقف بيع الأسلحة للإمارات العربية المتحدة باعتبارها سبب أساسي في إطالة أمد الحرب وفظائع الدعم السريع.

أدناه ترجمة غير رسمية لافتتاحية الـ (واشنطن بوست) عن حرب السودان :

هذه المرة، يجب على الولايات المتحدة أن تتحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان.. قبل خمسين عاماً في كمبوديا، أغمضت أمريكا عينيها عن تقارير القتل الجماعي. أما في السودان اليوم، فبإمكانها أن تفعل ما هو أفضل.

في هذا الشهر، شهد السودان، تلك الدولة الأفريقية المأساوية التي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ذكرى قاتمة. في 15 أبريل، دخلت الحرب الأهلية الوحشية في البلاد عامها الثالث الدامي، حيث قُتل ما يُقدر بنحو 150,000 شخص، وتشرّد حوالي 12 مليونًا، دون أي أفق لحل النزاع.
في اليوم التالي، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية لأول مرة الأعمال الوحشية المرتكبة في إقليم دارفور غرب السودان بأنها إبادة جماعية، مشيرة إلى القتل المنهجي للرجال والفتيان والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات من مجتمع المساليت.
وأشارت الولايات المتحدة في بيانها إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية، باعتبارها المنفذة لعمليات التطهير العرقي، حيث تخوض صراعاً مع القوات المسلحة السودانية، وكانت إدارة بايدن قد أشارت سابقاً إلى مسؤولية قوات الدعم السريع عن الإبادة الجماعية.

إعلان وقوع إبادة جماعية مستمرة شيء، لكن اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف منها أهم بكثير. يجب على الولايات المتحدة والعالم ألا يفشلوا في التحرك.

جاء إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عشية الذكرى السنوية لفظائع جماعية أخرى. قبل خمسين عاماً، في 17 أبريل 1975، سيطر الخمير الحمر على العاصمة الكمبودية بنوم بنه، وأطلقوا تجربة متعصبة لإعادة تشكيل المجتمع من خلال الإبادة المنهجية للحرفيين ورجال الأعمال والمثقفين والأقليات العرقية. لقد هلك ما يصل إلى 3 ملايين شخص نتيجة الإعدامات العشوائية والعمل القسري والمجاعة خلال ما يقرب من أربع سنوات من الإبادة الجماعية التي تلت ذلك. وقد حدثت هذه الفظائع أيضاً وسط تجاهل عالمي.
في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة في حالة انسحاب من جنوب شرق آسيا، متأثرة بهزيمتها العسكرية المذلة في فيتنام. وأشارت مذكرة من عام 1976 من مستشار الأمن القومي للرئيس جيرالد فورد، برنت سكوكروفت، إلى تقارير عن إعدامات واسعة النطاق لمسؤولي الحكومة السابقين والجنود والمعلمين والطلاب وأي شخص يظهر عليه علامات التعليم. لكن لا فورد ولا خلفه، الرئيس جيمي كارتر، اتخذا أي إجراء لوقف الإراقة الدموية أو حتى لرفع الوعي بها.

الآن، بعد أن أقرت إدارة ترامب بوقوع إبادة جماعية في السودان، ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لإنهائها؟

الحرب الأهلية في السودان تتحدى أي حل سهل. ينبع الصراع من صراع على السلطة بين جنرالين متخاصمين كانا حليفين في السابق: الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، وهي الامتداد المعاصر لميليشيا الجنجويد التي أرهبت دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وكانت مسؤولة عن أول إبادة جماعية في السودان. عندما انهار التحالف الهش بين الجنرالين قبل عامين، دمرت معارك المدفعية والدبابات بينهما جزءاً كبيراً من العاصمة الخرطوم.

في أواخر مارس الماضي، بدأ أن هناك اختراقاً كبيراً في الجمود عندما تمكنت قوات البرهان من استعادة الخرطوم. لكن حميدتي انسحب غرباً إلى معقله في إقليمي دارفور وكردفان، حيث يؤسس – ما يسميه – “حكومة السلام والوحدة” الموازية. كما شكل تحالفاً مع جماعة ميليشيا تُعرف بالحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال، وهي بقايا حرب استقلال جنوب السودان. تهدد تحركات حميدتي لإعلان دولة منفصلة بتقسيم السودان.
في هذه الأثناء، تستمر المذابح ضد شعب المساليت وغيرهم من الأقليات غير العربية.

يضم المشاركون في الحرب الأهلية السودانية مزيجاً متقلباً من اللاعبين الإقليميين والدوليين، لكل منهم أجنداته وخصوماته القديمة. يدعم البرهان من قبل مصر والسعودية وقطر. كما تدعم إيران، التي تأمل في توسيع نفوذها إلى البحر الأحمر، القوات المسلحة السودانية بتزويدها بالطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة. وأرسلت تركيا طائرات مسيرة وصواريخ. أما قوات الدعم السريع، فتتلقى الدعم من الإمارات العربية المتحدة وكذلك ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان. وقد رحبت إثيوبيا وأوغندا وكينيا بحميدتي أيضاً.
مع هذا المزيج المتفجر، قد يكون من المغري أن نغض الطرف. لكن هذا سيكون خطأً، كما كان من الخطأ أن تتجاهل الولايات المتحدة قبل نصف قرن فظائع حقول القتل في كمبوديا.

الإجراءات القوية لا تعني بالضرورة التدخل المباشر. يمكن لإدارة ترامب أن توقف مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة وأن تفرض عقوبات حتى توقف دعمها العسكري والمالي لقوات الدعم السريع التابعة لحميدتي. كما يجب تحذير الدول الأخرى التي يبدو أنها تدعم قوات الدعم السريع. وينبغي للولايات المتحدة أن تعين مبعوثاً خاصاً إلى المنطقة لبدء دبلوماسية نشطة من خلال الضغط على مصر والسعودية وغيرهما من حلفاء الولايات المتحدة لإحضار موكلهم إلى طاولة المفاوضات.

يريد الرئيس دونالد ترامب أن يُعرف كصانع سلام. قد لا يكون السودان على رأس أولوياته، لكنه يجب أن يوليه اهتماماً. من خلال المساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام هناك، يمكنه إيقاف إبادة جماعية وإنهاء أكبر كابوس إنساني في العالم.

مقالات ذات صلة