السودان ومحكمة العدل الدولية : معركة قانونية ضد المشروع الإقليمي لتفكيك الدولة… قلم✍🏽: المهندس/ خالد مصطفى الفزازى

فى خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ اندلاع الحرب فى السودان فى أبريل 2023م ، تقدّمت الحكومة السودانية بملف قانوني ضد دولة الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية ، متهمةً إياها بدعم وتمويل مليشيا “الدعم السريع” ، فى حربٍ تصفها الخرطوم بأنها عدوان خارجي يستهدف الدولة السودانية ومؤسساتها .
هذه الخطوة ، التي لاقت اهتماماً واسعاً من منظمات حقوقية ودولية ، ليست مجرد إجراء قانوني ، بل تعكس تحوّلاً نوعياً فى توصيف الصراع وتدويله ، مما قد يُفضي إلى تغيير فى موازين القوى السياسية والدبلوماسية فى المنطقة .
بين القانون والسيادة : قراءة فى الملف السوداني
يُعتبر الملف المقدم أمام محكمة العدل الدولية إعادة تعريف جوهرية للصراع ، حيث لا يُنظر إليه كحرب أهلية ، بل كعدوان خارجي منظم تم بتخطيط ورعاية من قِبل دولة عضو فى الأمم المتحدة . ووفقًا للمصادر الحقوقية ، فقد تضمّن الملف أدلة موثقة على الإسناد العسكري واللوجستي الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع ، بما فى ذلك نقل السلاح والمقاتلين عبر مسارات جوية وبحرية .
إن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ، رغم تعقيداته الإجرائية ، يُشكل سابقة في تاريخ الصراعات الحديثة فى أفريقيا ، ويضع السودان فى موقع المبادرة القانونية والدبلوماسية ، عوضًا عن الاكتفاء بالدفاع العسكري أو الخطاب السياسي .
حرب أبريل : ربيع الدولة السودانية
بعيدًا عن السياق القانوني ، فإن هذه الحرب قد اتخذت بُعدًا وجوديًا فى الوعي الجمعي السوداني .
فالمعركة لم تعد مجرد نزاع مسلح بين الجيش ومليشيا خارجة عن القانون ، بل صارت رمزًا لصراع الدولة الوطنية ضد مشروع إقليمي يُعرف إعلاميًا باسم “الشرق الأوسط الجديد” ، الذي يستهدف تفكيك الجيوش المركزية لصالح قوى غير نظامية .
ولعل السودان ، بخلاف تجارب ليبيا واليمن وسوريا ، يبدو اليوم كحالة فريدة تحاول كسر هذه القاعدة ، واستعادة الدولة لمركزها .
ويمكن القول إن ما يجري هو أشبه بـ”الربيع الثاني” ، لكن هذه المرة لصالح الدولة ، لا ضدها .
التاريخ كأداة مقاومة : الجيش السوداني والهوية الوطنية .
على الرغم من أن الجيش السوداني الحديث تأسس قبل قرنٍ من الزمان ، إلا أن النصوص الخطابية الأخيرة تربط هذا الجيش بجذور تاريخية أعمق ، تمتد إلى ممالك كوش ، وسلطنة الفونج ، وثورة الإمام المهدي .
هذا الاستدعاء التاريخي ليس مجرد سرد ، بل محاولة لإعادة تشكيل الشرعية الوطنية للجيش باعتباره حامي السيادة ، وحارس خيال الدولة المركزية .
فى ظل حملات تشكيك منظمة تستهدف سمعة القوات المسلحة ، يمثل هذا البُعد التاريخي أحد ركائز تعزيز الثقة المجتمعية ، خاصة فى مواجهة محاولات تفتيت المؤسسات وإضعاف الولاء الوطني .
*الترابط الاجتماعي كسلاح استراتيجي*
السودان بلدٌ معقد إثنيًا ولغويًا ودينيًا ، ومع ذلك ، فقد فاجأ هذا البلد العالم بقدرته على التماسك خلال أكثر اللحظات دموية .
تشير الدراسات الاجتماعية إلى أن السودان قد غيّر لغته ودينه ثلاث مرات في تاريخه ، لكنه لم يفقد هويته الثقافية ، ولا قدرته على التأقلم .
هذا التماسك لا يمثل فقط صمام أمان داخلي ، بل هو عقبة حقيقية أمام مشاريع “التهجير والتفكيك والإفقار” التي تُمارَس على الدول الهشة فى الإقليم .
فى ظل الحرب ، رأينا مشاهد التضامن الأهلي ، وانتفاضات المجتمع المحلي فى مواجهة المليشيات ، مما يكشف عن قوة مجتمعية كامنة لم تكن تُستثمر سابقًا .
*التحالفات الجيوسياسية وحدود القانون الدولي*
إن المواجهة الحالية بين السودان والإمارات ، رغم طابعها القانوني ، لا تنفصل عن خريطة التحالفات الإقليمية .
إذ أن الإمارات ليست وحدها فى هذا الميدان ، بل هناك دعم استخباراتي متعدد الجنسيات يصب فى مشروع تفكيك الدولة السودانية .
ومن هنا تأتي أهمية استخدام القانون الدولي ، ليس فقط لإدانة المعتدين ، بل لكشف طبيعة المشروع السياسي الذي يقف خلفهم .
*الأسئلة الحرجة :*
1. هل يكفي القانون الدولي لحماية الدولة؟ أم أن الصراع سيتحدد فى ساحات المعارك؟
2. هل تمثل القوات المسلحة استمرارية للدولة التاريخية فعلاً؟ أم أن هذا الخطاب يُخفي صراعات داخلية لم تُحسم بعد؟
3. كيف يمكن تحقيق الانتصار دون إغفال التكلفة الإنسانية للحرب؟
الختام : السودان فى معركة البقاء .
ما يجري اليوم فى السودان يتجاوز الحرب التقليدية .
إنه صراعٌ على بقاء الدولة ذاتها ، ومشروعها الوطني ، وهويتها التاريخية .
ولعل اللجوء إلى القانون الدولي ليس سوى بداية لمعركة طويلة ، تحتاج إلى تماسك داخلي ، و وعي مجتمعي ، وتحالفات عادلة .
السودان لا يحارب مليشيا فقط ، بل يقاوم مشروعاً إقليمياً يسعى إلى نزع روحه وهويته .
وفى هذه المعركة ، فإن التاريخ ، والمجتمع ، والقانون ، جميعها أسلحة لا تقل أهمية عن السلاح العسكري .
#السيادة_والبقاء
#النصر_للقوات_المسلحة