من أعلي المنصة .. ياسر الفادني : دارفور تُذبح والعالم يتثاءب

الدم في الفاشر ليس ماءً… والصرخات التي تصعد من معسكر زمزم ليست ضوضاء لخلفية حربٍ ، بل هي النبض الأخير لشعوبٍ تُباد أمام أنظار العالم المتفرج، مليشيا الدعم السريع، وقد سقطت عنها أوراق التوت، لم تعد تخفي نواياها، تحوّلت من ميليشيا مرتزقة إلى ماكينة تطهيرٍ عرقي صريحة، تسير على جثث الأبرياء لتعلن دولةً وهمية على أنقاض دارفور، وكأن التاريخ سيُخدع بهذه المسرحية القذرة

لقد هُزمت المليشيا في معركتها ضد السودان، فانكفأت مثل الضباع نحو دارفور، لتكمل ما بدأته من إبادة، مشاهد الجنينة لا تزال محفورة في الذاكرة: المساليت يُذبحون كأنهم لا بشر، يُطردون إلى العراء، يُدفعون إلى حدود تشاد كمن يدفع الأوساخ تحت السجادة، والآن ذات السيناريو يُعاد في الفاشر، بأكثر الطرق دموية ووحشية، وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن الدم لا يُحسب في دفاتر العالم

معسكر زمزم لم يكن معسكراً للنازحين فقط، بل صار مقبرة جماعية، الصواريخ تنهال على نيفاشا، لا لشيء سوى لأنها تأوي من تبقى من روح دارفور

رغم كل هذا، الجيش السوداني ما يزال يحاول التمسك بأخلاقيات الحرب في وجه مليشيا لا تعترف بغير السكين والنار، لم تُقصف معاقلهم، لم تُمس حواضنهم… وكأننا نواجه ذئاباً ونراعي فيهم آداب الصيد. لكن إلى متى؟ وهل بقيت للفضيلة قيمة عندما يكون الثمن هو حياة شعب بأكمله؟

هذه الحرب لم تعد حرب حدود أو سلطة، بل صراع وجود، مشروع إحلال كامل، يسعى لمسح ملامح شعوبٍ عاشت في هذه الأرض قبل أن تعرف الخرائط أسماءها، عرب الشتات يُستوردون كبديل رخيص لأصحاب الأرض، والمجتمع الدولي يغمض عينيه عمداً، لأن الحقيقة أكثر فظاعة من أن تُعرض في نشرات الأخبار

اليوم في الفاشر، معركة رقم 202 أضافت مئات الجثث إلى قائمة طويلة لا تجد من يقرأها،والغد؟ معركة 203 يجب أن تكون النار التي تحرق خيمة الجنجويد الأخيرة، آن للجيش أن يخلع قفاز الحرير، آن للسماء أن تُزمجر بالطائرات لا بالتأجيلات،

أما أولئك المتواطئون من أبناء الإقليم… الهادي إدريس، الطاهر حجر، نمر، أحمد أيوب… أنتم لستم مجرد متخاذلين، أنتم مشاركون في المجزرة، صمتكم تواطؤ، توقيعاتكم خناجر، عدتم إلى أهلكم بالعار لا بالسلام، ودارفور لن تغفر، والتاريخ لن يرحم

إني من منصتي أنظر بحسرة….وأقول: لا تطلبوا منّا أن نبكي… فالدموع صارت ترفاً، كل ما نطلبه أن يسمع العالم هذا الصراخ، قبل أن يُصبح الصمت هو اللغة الوحيدة الباقية في دارفور.

مقالات ذات صلة