ياسر الفادني يكتب: فولكر بيريتس، هذا الثعبان العجوز الأرقط

خرج( خراب العامرة) (فولكر) مرة أخري وهو الذي كلما دخل دولة أفسد حرثها ونسلها ليبث سمومه عبر الإعلام الألماني، متقمصًا دور الحكيم العارف ببواطن الأمور، ليحدثنا عن تقدم الجيش السوداني واستعادته القصر الرئاسي، وكأنّه يوزّع شهادات نهاية الحرب في شرق ووسط السودان، فجأة صار استعادة القصر عنده إشارة إلى قرب النهاية، وكأنّ الحرب لعبة تنتهي بمجرد أن يعلنها هو على شاشات التلفاز، ولكنّ هذا المخضرم في نسج الروايات لم يفته أن يترك بابًا للريبة والتخويف، فقرر أن الحرب “للأسف” لم تنتهِ في الغرب، في دارفور للأسف! وكأنّه كان يتمنى أن يعمّ السلام، وكأنّه لم يكن واحدًا من مهندسي الفوضى وصانعي الحرائق

حديثه هذا لا يخلو من خبث، فهو يُقرّ بتقدم الجيش ولكنّه يضعه في إطار منقوص، وكأنّه إنجاز بلا قيمة ما دامت دارفور تشتعل، لا يهمه أنّ الناس تنفّسوا الصعداء في الخرطوم ومدن الشرق والوسط، المهم أن يظلّ شبح الحرب ماثلًا في الأذهان، والمهم أن يبقى لديه ورقة يساوم بها، فولكر لم يكن يومًا محايدًا، ولم يكن يومًا نصيرًا للسلام، بل كان دائمًا لاعبًا بارعًا في لعبة توازنات القوى، يدفع بهذا الطرف تارة ويهمس لذاك تارة أخرى، حتى يظل المشهد مضطربًا وفقًا لما يناسب مصالحه ومصالح من أرسلوه

كلماته ليست مجرّد تحليل سياسي، بل هي صدى لمواقف قديمة، لمشروع ظلّ يغذيه منذ أن وطأت قدماه السودان ، يعرف تمامًا كيف يُغلّف سُمه بالعقلانية، وكيف يُقدّم الأكاذيب على أنها حقائق لا تُدحض، لكنه اليوم يتحدث بلهجة المهزوم، بمرارة من بدأت خيوط لعبته تتفكك بين يديه، ربما كان يتمنى أن يطول أمد الفوضى، وربما كان يأمل أن لا يُحرز الجيش تقدمًا حقيقيًا، لكنه اضطر أخيرًا للاعتراف، اعترافٌ مشوبٌ بالتحسر.

ما قاله فولكر ليس جديدًا، لكن توقيته يكشف الكثير. فكما اعتاد الخراب العامر أن يُطلق صيحاته عند كل منعطف، جاء اليوم ليُذكّر الجميع بأن دارفور ما زالت مشتعلة. يعلم جيدًا أن الصراع هناك كان مُعدًّا ليكون طويل الأمد، ويعرف أن من أوقدوا ناره لن يسمحوا بإطفائه بهذه السهولة. لكنه في نهاية المطاف، لم يستطع أن يخفي حقيقة واضحة: الحرب في طريقها إلى الانحسار، والخراب الذي شارك فيه بدأ يفقد مواقعه.

مقالات ذات صلة