عمار العركي يكتب: الكنابي، ميناء سواكن، تحرير الأسرة المصرية: حرب الروايات لاستهداف المخابرات والعلاقات

▪️ تداولت وسائل الإعلام بكثافة خلال الأيام الماضية خبر تحرير أسرة مصرية كانت محتجزة في منطقة “الحاج يوسف”، ووفقًا للرواية المتداولة، فقد بقيت هذه الأسرة عالقة تحت سيطرة الميليشيا، دون أي تدخل مُعلن من أي جهة سودانية أو مصرية!!؟ لكن ما يثير التساؤل هنا هو : لماذا لم تُطرح هذه الرواية إعلاميًا من قبل؟!! ولماذا لم تصدر أي مطالبات مصرية رسمية أو شعبية بالكشف عن مصير هذه الأسرة طوال تلك الفترة؟!! من المستغرب أن تظهر هذه القصة في هذا التوقيت بالذات، مما يثير شكوكًا حول دوافع طرحها الآن؟!!

▪️ لماذا لم تسعَ المخابرات المصرية منذ البداية للضغط على الميليشيا للإفراج عن رعاياها، كما فعلت عندما أُسر ضباطها وجنودها في بداية الحرب؟! لماذا لم يأتِ أي ذكر لهذه القضية في الإعلام المصري طوال الفترة الماضية، رغم أنه لم يتردد في متابعة أخبار الأسرى العسكريين آنذاك؟! هذه التساؤلات تفتح الباب أمام فرضية أن القصة قد تكون جزءًا من أجندة إعلامية تستهدف جهاز المخابرات العامة السوداني.

■ رواية استخباراتية مضادة أم حقيقة ميدانية ؟

▪️ بالنظر إلى التوقيت، فإن نشر هذه الرواية يتزامن مع انتصارات الجيش السوداني الأخيرة وسيطرته على مناطق جديدة، بما في ذلك “الحاج يوسف”. هذا التزامن يثير شبهة أن الهدف الأساسي من الترويج لهذا الحدث الآن هو محاولة تصوير جهاز المخابرات العامة وكأنه فشل في أداء مهامه الميدانية طيلة فترة احتجاز الأسرة المصرية، ولم يسعى لتحريرهم إلا بعد دخول الجيش السوداني المنطقة وهروب الميليشيا، التي عادة ما تأخذ معها الأسرى والرهائن ذوي التأثير السياسي والاقتصادي معها . هذا التكتيك الإعلامي المُتقن يُستخدم عادة في الحروب الاستخباراتية لضرب ثقة الرأي العام في مؤسسات الدولة الأمنية وإظهارها بمظهر العاجز.

▪️ لكن هناك تساؤلات أخرى قد تعزز هذه الفرضية، منها:
لماذا لم تُقدم أي تصريحات رسمية أو أدلة تثبت احتجاز الأسرة طوال هذه الفترة؟
هل من الممكن أن تستمر عملية احتجاز أسرة غير سودانية في منطقة عمليات حربية ساخنة دون تدخل رسمي؟ لماذا لم يتم استغلال هذه القضية في الدبلوماسية أو حتى في الإعلام المصري طوال فترة الاحتجاز الطويلة؟

▪️هذه الأسئلة وغيرها ، تدعم فرضية أن ما جرى قد يكون مدبرًا لأغراض سياسية أكثر من كونه واقعة ميدانية حقيقية.

■ موازاة مع رواية “الكنابي” العنصرية

▪️ بالتزامن مع هذه الرواية، ظهرت رواية إعلامية أخرى تتناول إعادة إحياء قضية “الكنابي”، التي تحمل طابعًا عنصريًا في سرديتها، مما يعكس نمطًا متكررًا في محاولة جرّ الإعلام السوداني إلى تبني سرديات تهدف إلى تقسيم المجتمع وإشغال الرأي العام بقضايا تثير التوتر الداخلي، وتزعزع الثقة داخل مكونات القوات المسلحة السودانية الموحدة ، بدلًا من التركيز على الأولويات الاستراتيجية.

■ الإعلام السوداني.. بين التفاعل والانجرار

▪️ من الواضح أن بعض وسائل الإعلام السودانية وبعض الأقلام وقعت في فخ الترويج لهذه الروايات دون تمحيص، مما يتطلب وقفة جادة في التعامل مع المعلومات التي يتم تمريرها عبر مصادر استخباراتية مُعادية. إذ لا يمكن فصل توقيت ظهور هذه القصة عن الأهداف السياسية التي تخدمها، سواء فيما يتعلق بإضعاف صورة جهاز المخابرات العامة، أو في خلق حالة من التشويش على الانتصارات العسكرية في هذه اللحظة الحاسمة.

▪️ وهنا تبرز أهمية إعمال نظرية ” الإعلام الأمني والأمن الإعلامي”، حيث أصبح من الضروري أن يكون الإعلام السوداني أكثر حذرًا في التعامل مع المعلومات الواردة من مصادر معادية. فالإعلام الأمني لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يجب أن يشارك في حماية الأمن الوطني عبر تسليح الجمهور بالحقائق والبيانات التي تحصنه من التضليل الإعلامي، بعد التريث والتثبت من المصادر الرسمية. كما يجب أن يشمل دوره توعية الشعب بمخاطر التلاعب بالوعي العام، ليكون في موقع الوعي والرقابة على الحكومة بشكل دائم.

■ حرب الروايات: تأثيرها على العلاقات السيادية والدبلوماسية

▪️ في الوقت ذاته، يعكس تصاعد الترويج لروايات “الكنابي”، و”ميناء سواكن”، و”تحرير الأسرة المصرية”، محاولة لاستهداف ليس فقط جهاز المخابرات العامة، بل أيضًا العلاقات السودانية-المصرية. قد تكون هذه الحملات الإعلامية محاولة لتفكيك التحالفات السودانية – المصرية وتقويض الثقة بين الشعب السوداني وحكومته من خلال إظهار ضعف الأمن الوطني والإعلامي.

▪️ ومن خلال هذه الروايات المشوشة، يتم دفع الرأي العام السوداني للتشكيك في قدرة الدولة على حماية مصالحه، مما يعزز التأثيرات السلبية على الوحدة الوطنية. أما فيما يتعلق بعلاقات السودان مع جنوب السودان وشرق السودان، فإن ترويج هذه القصص قد يسهم في تفكيك العلاقة بين الحكومة المركزية والمكونات الشرعية في بورتسودان، التي اكتسبت أهمية استراتيجية في فترة الحرب. تسهم هذه الحملات في استغلال التوترات الداخلية والتشويش على العلاقات بين الولايات السودانية الحدودية شرقًا وجنوبًا، وبالتالي تفتيت الاستقرار الوطني الداخلي والإقليمي.

■ خلاصة القول ومنتهاه

▪️ هناك حاجة ملحة لوضع استراتيجية إعلامية موحدة. فغياب تصريحات واضحة وحاسمة حول هذه الملفات الثلاثة – تحرير الأسرة المصرية، رواية “الكنابي”، وميناء سواكن – يعكس عدم وجود استراتيجية إعلامية متكاملة لمواجهة هذه التحديات. لا يمكن التعامل مع هذه الأحداث بشكل فردي أو عفوي.

▪️ يتطلب الأمر خططًا استراتيجية تنطلق من الإعلام الأمني والأمن الإعلامي، لحماية الرأي العام وتحصينه ضد محاولات التلاعب والتهديدات الخارجية. في هذه الأوقات الحاسمة، لا بد من توجيه الوعي العام نحو أهمية التصدي لحروب المعلومات التي تستهدف تقويض الثقة في المؤسسات الوطنية، بما في ذلك المخابرات، القوات المسلحة، والسياسة الخارجية.

▪️ إنها دعوة لإعادة التفكير في كيفية تنظيم الرسائل الإعلامية، لتكون أداة لحماية الأمن الوطني وزيادة الوعي الشعبي، لضمان توافق الأهداف الوطنية مع المصلحة العامة.

مقالات ذات صلة