وسط صمت من الحكومة السودانية.. مرتزقة من كولومبيا وأوكرانيا ضمن صفوف ميليشيا الدعم السريع

تزداد الانكشافات حول الحرب الدائرة في السودان، مع تسليط الضوء على المتورطين في الصراع وداعميهم وأهدافهم. فالصراع الذي يعصف بالبلاد منذ حوالي سنتين، بات أكثر تعقيدًا مع الانتشار الواسع لتقارير توثّق مشاركة مرتزقة من دول مختلفة بجانب ميليشيا الدعم السريع، في مواجهة الجيش السوداني.

تُشير المعلومات إلى أن التدخل الخارجي في السودان، الذي يتضمن تدفق المرتزقة والأموال والأسلحة عبر الحدود التشادية، يتم بإشراف جهات مثل الإمارات وفرنسا وقوى غربية أخرى. وقد حذرت منظمة العفو الدولية من تأثير هذا الدعم الخارجي في تعقيد حل النزاع وإطالته.

في هذا السياق المضطرب، هناك تجاهل واضح من الحكومة السودانية لتصعيد التدخل الأوكراني. ورغم وجود دلائل كثيرة تفيد بدعم أوكراني لميليشيا الدعم السريع، عبر إرسال مقاتلين وخبراء عسكريين، يبقى صمت الحكومة السودانية حول هذا الأمر مثيرًا للتساؤل، مما يضفي تعقيدًا إضافيًا على الوضع. يُظهر هذا الصراع أنه ليس مجرد شأن محلي، بل يمتد ليشمل تصفية حسابات بين القوى الدولية.

القوات الأجنبية بجانب الميليشيا

في تقرير مثير، سلطت صحيفة “لاسيلا فاسيا” الكولومبية الضوء على ظاهرة وجود مرتزقة كولومبيين يقاتلون مع ميليشيا الدعم السريع في السودان، ويتلقون رواتب كبيرة من الإمارات العربية المتحدة.

توضح الصحيفة أن هؤلاء المرتزقة يحصلون على رواتب تتراوح بين 2500 و3000 دولار شهريًا، وهو مبلغ مرتفع جدًا مقارنة مع ما يمكن أن يحصلوا عليه في كولومبيا. تتجاوز مدة عقود العمل لديهم 6 أشهر، حيث يُعرض عليهم أيضًا مكافآت تصل إلى 10,000 دولار عند انتهاء العقود.

بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن شركة إماراتية تدعى “جي إس إس جي” تنظّم عمليات تجنيد هؤلاء المرتزقة بالتعاون مع شركة كولومبية، حيث يقود العملية ضابط كولومبي متقاعد. تهتم هذه الشركات بالتعاقد مع المتقاعدين أصحاب الخبرة الذين يواجهون صعوبات اقتصادية، ويتم تدريبهم قبل نقلهم عبر مسارات سرية إلى السودان، حيث يلتحقون بميليشيا “الدعم السريع”.

وفي سياق ذو صلة، قال الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، خلال مقابلة له مع صحيفة “العربي الجديد”، في فبراير الماضي، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بالسودان، ومعظمهم إلى جانب الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”. مضيفاً: بأن “أوكرانيا لا تعتبر في الوقت الحالي أي طرف من الأطراف المتحاربة في السودان كياناً شرعياً.. كما أنها تدعم تشكيل حكومة مدنية مستقلة غير مرتبطة بأي جماعات شبه عسكرية”.

في السابع من يناير الماضي، كتب المتحدث الرسمي باسم سلاح الجو الأوكراني، إيليا يفلاش، على صفحته في فيسبوك، أن مدربي ومشغلي الطائرات بدون طيار من القوات المسلحة الأوكرانية يقدمون الدعم لميليشيا “الدعم السريع” بناءً على دعوة شخصية من حميدتي. ووفقًا لما قاله يفلاش، فإن: “كييف ملتزمة بأكثر من 30 عقدًا عسكريًا في أفريقيا، والسودان هو أحد هذه الدول، وتحديدًا مع قوات الدعم السريع.”

من جهة أخرى، بدأت وسائل الإعلام الأوكرانية، وعلى رأسها صحيفة “كييف بوست”، منذ بداية عام 2024، في نشر تقارير تؤكد الوجود العسكري الأوكراني في السودان. وفي هذا السياق، صرح رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، بأن قواته تقاتل في السودان، مشيرًا إلى أن “أوكرانيا بالفعل تنشر وحدات عسكرية خاصة في السودان تقاتل إلى جانب ميليشيا الدعم السريع”.

وبالمقابل، أثار صمت الحكومة السودانية استياء العديد من المحللين والصحفيين والمراقبين المهتمين بالشأن السوداني، خصوصًا بعد تزايد التصريحات الرسمية من مسؤولين أوكرانيين التي تؤكد بشكل مباشر وغير مباشر تورط قوات بلادهم في دعم ميليشيا “الدعم السريع”.

وفي ظل الأوضاع الحالية، تظل رؤية السودان غير واضحة تمامًا، حيث لم تتخذ بورتسودان أي خطوات صريحة للحد من التدخلات الأوكرانية، واكتفت بعض الجهات الرسمية بالتواصل مع كييف للاستفسار عن بعض التقارير المتداولة، دون إصدار أي تصريحات رسمية واضحة.

ترى المحللة السياسية شروق حبيب أحمد، أن هذا الصمت يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تجعل الحكومة السودانية تتجنب التصعيد الدبلوماسي ضد أوكرانيا، ومن المرجح أن الصمت سببه إعتبارات سياسية معقدة، وتعمل على جمع الأدلة والبراهين، لكن في الوقت الراهن يجب على حكومة البرهان اتخاذ قرار بشأن التدخلات الأوكرانية في الشأن السوداني، والمضي على خطى دول مثل مالي بقطع العلاقات مع كييف إثر ظهور أدلة على دعمها لجماعات مسلحة في المنطقة.

فيما تتواصل الأزمات في السودان، يبدو أن التدخلات الخارجية ستظل على نفس الوتيرة، وقد تزداد تعقيدًا في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في القارة الأفريقية. هنا، يطرح سؤال حول ما إذا كانت الحكومة السودانية ستظل ملتزمة بالصمت، أم أنها ستتخذ خطوات أكثر وضوحًا للإفصاح عن طبيعة هذه التدخلات وفرض موقف أكثر تحديدًا تجاه أوكرانيا، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة؟!.

مقالات ذات صلة