عثمان ميرغني يكتب : حمدوك.. انتهى الوقت.. الأصلي وبدل الضائع

بصراحة، لم أعد أفهم ما يريده الدكتور عبد الله حمدوك. تولى قيادة البلاد في أفضل وضع ممكن، حيث كان خلفه شعب عظيم يدعمه بكل قوة وبأغلبية كاسحة. شعب، عندما أفلت المقود من يد القوى السياسية بعد كارثة 3 يونيو 2019، أنجز ثورة للمرة الثانية في 30 يونيو 2019، ليمنح الحكم المدني قوة دفع جماهيرية كافية لتخطي كل العقبات وفرض كلمة الشعب. ومع ذلك، لم يستطع أن يقود البلاد. يومًا بعد يوم، كان ضعفه يضخ قوة في أشرعة القوى المضادة، إلى أن أوصل البلاد إلى مرحلة انفلات المقود تمامًا، ليدق انقلاب 25 أكتوبر 2021 آخر مسمار في نعش الحكومة الانتقالية، ويصبح أقصى أماني القوى السياسية التي قادت الثورة أن توقّع اتفاقًا مع الذين انقلبوا عليها.
ومع ذلك، مرت أكثر من فرصة بين قدميه. بعد حرب 15 أبريل 2023، كان بإمكانه استدراك الحال، لكن مرّ عامان ولا يزال أقصى ما استطاعه حمدوك هو بيان أسماه “نداء السودان للسلام”، لم يختلف كثيرًا عن عشرات البيانات التي صدرت من مختلف القوى السياسية في السنوات الماضية.
أسهل ما يمكن لأي سياسي أن يفعله هو ضخ البيانات في وسائط التواصل. مهما تحلّت بالبلاغة وإيقاع الطرق بكف اليد على الطاولة بقوة، فإن المحك يكمن في قدرتها على تغيير الواقع.
حمدوك قال إنهم ظلوا يدعمون السلام ويقفون في المنطقة الوسطى بين الأطراف المتحاربة، وكأن الذين وقّعوا ميثاق نيروبي وأعلنوا تحالفًا مع الدعم السريع لم يكونوا جزءًا من المجموعة التي كان على رأسها حمدوك في “تقدم”، بما ينفي أنهم كانوا في نقطة المنتصف.
قدّم حمدوك في بيانه أمس وصفة تتطلب تدخلاً مباشرًا من مجلس السلم والأمن الأفريقي والأمم المتحدة وما تيسّر من القوى الدولية المتاحة. ما الجديد في ذلك؟
ثم دعا إلى حوار سوداني-سوداني يستثني المؤتمر الوطني، ناسيًا أن مثل هذه الحوارات ظلت تتجوّل في عواصم العالم ولم يثبت أنها حرّكت الحلول بقدر ما عمّقت الأزمة.
البيان الذي قرأه حمدوك أمس، هل كان صعبًا لأي سياسي سوداني أن يكتبه ثم يقرأه؟
من الحكمة أن يدرك الشعب السوداني أن الوضع الآن لا يحتمل اللعب في منتصف الملعب. من لا يستطيع هزّ الشباك، فأولى به أن يستمتع بالمشاهدة من شرفة كبار الزوار.
المطلوب الآن القرارات الصعبة، التي تتطلب الشجاعة وتنظر مباشرة إلى النتائج لا إلى العلاقات العامة.
طالما أن الشعب السوداني هو من يطأ بقدمه على الجمر، فلا أحد يستطيع أن يشعر بآلامه سواه. من أراد أن يقدّم حلًا للأزمة، مطلوب منه أن يخرج من عنق الأجندة الضيقة إلى سعة المصالح القومية.
انتهى الوقت..

مقالات ذات صلة