من أعلي المنصة ياسر الفادني : دارفور.. المشهد الأخير لمليشيا الخراب

إنتهت المعركة الكبرى والصغرى تلوح في الأفق، ولا غرابة في ذلك، فالتاريخ هنا لا يعيد نفسه، لكنه يُصرُّ على تلقين الدروس لمن لم يفهموا في المرة الأولى، هُزمت المليشيا شر هزيمة في الخرطوم ووسط السودان وكردفان، وترنحت تحت ضربات الفطنة العسكرية للقوات المسلحة التي تعرف معنى التخطيط والانضباط، بينما لم يكن للغباء العسكري للمليشيا حدود ،خسائرهم فادحة، جثثهم ملقاة في الطرقات، عتادهم بين مدمر وغنائم تملأ مخازن الجيش، وفرارهم لا يحتاج إلى دليل، فمن يهرب لا يترك خلفه أثراً سوى الرعب والخذلان

لكن، لا يزال هناك فصل لم يُكتب بعد، معركة لم تنطلق صفاراتها، دارفور تنتظر دورها في تطهير الأرض من المرتزقة، من حفنة المرتزقة والمأجورين الذين ظنوا أن الأرض بلا صاحب، وأن الوطن لقمة سائغة تُلتهم بلا حساب، هذه ليست معركة كغيرها، فالعدو الذي فرَّ من الخرطوم ومدني والرهد يظن أن الميدان الجديد سيحميه، لكن واهمٌ من يظن أن دارفور ستمتد لها يد الغدر دون أن تُبتر، أو أن ترابها سيُدنس دون أن تُسقى الأرض بدماء الخونة

ستكون الخطة مختلفة، ليست كما كانت في الخرطوم أو غيرها، فالتكتيك سيتغير، والمفاجآت ستنهال كالصواعق على رؤوس المليشيا ، بين جيش محترف عمره قرن من الزمان ومجموعة من المأجورين الذين لا يملكون سوى نزعة السلب والنهب، الفرق شاسع، كما بين السماء والوحل، هناك في قلب دارفور ، لن تنفعهم شراستهم، ولن يجديهم إرهاب المدنيين، فالحساب هناك عسير، والمدرسة العسكرية السودانية لديها دروس جديدة لم تُدرَّس بعد، لكنها ستُكتب بدماء الغزاة والمرتزقة.

معركة دارفور ليست فقط معركة ميدان وسلاح، إنها إعلان بأن السودان لا يتجزأ، وأن لا مكان فيه لمن جاء ينهب ويقتل وينتهك الحرمات. دارفور، ذلك الجزء العزيز من جسد الوطن، ستلفظ كل دخيل، وستثبت أن العرق الذي سال في الخرطوم لم يكن إلا البداية، وأن المعركة الحقيقية هي معركة البقاء للأصلح، وللأحق بالأرض. ستختلف الأسلحة، ستتبدل التكتيكات، ستظهر مهارات لم يروها من قبل، وسيقف الضباط والجنود ليطبقوا دروسهم النظرية والعملية على عدو لم يتعلم من هزائمه

إني من منصتي أنظر…حيث أري أن….لا مكان بعد دارفور للمرتزقة، لا مكان لعصابات نيروبي ولا سابلة الحانات، لن يبقى في السودان إلا من يعرف معنى الوطن، ومن يحمل في قلبه ولاءً لترابه… هذه ليست حرب موارد أو مصالح، بل معركة وجود، معركة فاصلة ستضع النقاط على الحروف، وسيُكتب في تاريخ السودان أن دارفور لم تكن إلا مقبرة أخرى للخونة والمأجورين، تماماً كما كانت الخرطوم… فمن لم يمت في قلب العاصمة لن يفلت من مصيره في دارفور، ومن ظن أنه قادر على النجاة فليلقي نظرة على ما خلفه جيش السودان في معاركه السابقة، ليعلم أن القادم ليس سوى خاتمة كُتبت بمداد العزم والدماء.

مقالات ذات صلة