من أعلي المنصة ياسر الفادني : الفريق إبراهيم جابر… القيادة والريادة …

في زمنٍ إختلطت فيه المعايير وتلاشت فيه الكثير من القيم ظل الفريق مهندس بحري مستشار إبراهيم جابر نموذجًا فريدًا للقيادة الوطنية الصادقة، رجل حمل على عاتقه مسؤولية الوطن دون تردد ، متشبثًا بالقَسم الذي أداه، ثابتًا على المبدأ، غير مُنحازٍ إلا للوطن وأهله، لم يكن للقبلية العمياء سبيلٌ إلى قلبه، لم تأسره نوازع المصالح الضيقة، بل مضى كما يمضي القادة العظماء، يواجه العواصف بعزيمة وإيمان، وقف في مقدمة الصفوف حين نادى الوطن، ولم يُعرف عنه إلا الوفاء لشرف العسكرية والتفاني في خدمة السودان
منذ الوهلة الأولى للحرب المفروضة على السودان، كان في الميدان، حيث لا مجال للتراجع ولا وقت للتردد، وسط القوات المسلحة التي تخوض معركة الوجود بشرفٍ وإباء، لم يكن رجلًا يكتفي بالتوجيه من خلف المكاتب، بل كان ممسكًا بملفاتٍ شائكة، في مقدمتها الملف الاقتصادي الذي أدار فيه معاركه بصمت، يحقق الإنجاز تلو الإنجاز دون صخب، يضع بصماته في كل ركنٍ من أركان الدولة التي فرضت عليها الحرب، لا يبتغي من ذلك جزاءً ولا شكورًا
لم تغب عن ناظريه الولايات التي إستباحتها شرذمة الجنجا لفترةٍ من الزمن، كان حاضرًا، لا بالكلمات، بل بالأفعال، يقود جهود الدعم والإسناد، يشرف بنفسه على وصول الإعانات الضخمة، وأكبرها ذلك الدعم اللوجستي والغذائي الذي تدفقت به الولايات نحو الجزيرة، حينها كنت شاهدًا على هذا السخاء الوطني، رأيت كيف يعمل في صمت، وكيف يتقدم الصفوف حين يتعلق الأمر بمصلحة المواطن
وحين حاولت بعض الأقلام المأجورة التشكيك فيه، إنكسرت سهامها على صخرة الحقيقة، تدفق حبرها المغرض ليعود عليها بالخيبة، فالرجل لم يكن بحاجةٍ للرد، بل جعل أعماله الوطنية أبلغ إجابة، فتفرقعوا صمتًا إلى غير رجعة، وبقي هو كما كان، ثابتًا، لا تهزه العواصف، ولا تنال منه الإفتراءات
يواصل عطاءه دون توقف، يبسط يد الحكومة لكل الولايات، وآخرها ما سوف يقدمه لولاية سنار، حيث التقى واليها مستمعًا إلى الحزم الإصلاحية الضرورية، وفي مقدمتها ملف المزارعين المتعسرين وإعادة إعمار ما دمره الأوباش، ليعيد للولاية سيرتها الأولى، ولأهلها الأمل في غدٍ أفضل
إبراهيم جابر ليس مجرد قائد عسكري يحمل السلاح، بل هو عقلٌ مفكر، ورجلٌ يجمع بين الحزم والرؤية، يقاتل بفكره كما يقاتل بسلاحه، يقف جنبًا إلى جنب مع رفقاء السلاح الذين سطروا أروع البطولات في هذه الحرب، نموذجٌ متفرد للقيادة الحقيقية، ورمزٌ للريادة الراقية التي لم تلوثها المصالح الشخصية ولا الحسابات الضيقة
لم ألتقه وجهًا لوجه، وكم كنت أتمنى ذلك، ولكن سيرته البيضاء التي لا يشوبها شائبة، وأفعاله التي تتحدث عنه، دفعتني للكتابة فيه، ولعلي لم أوفّه حقه بعد، لكنه يستحق كل التحية والتقدير، وتعظيم سلام لكل القادة الذين ظلوا صامدين في وجه العواصف، لا يبتغون إلا رفعة هذا الوطن وكرامته.