المجتمع المدني في الجزائر.. هل تريده السلطة بديلا عن الأحزاب؟

وكالات- اثير نيوز

الرئاسة في الجزائر أشرفت على ميلاد تكتل مدني بعنوان “نداء الوطن” يضم أكثر من 100 جمعية ونقابة ذات طابع وطني

في وقت أعلن فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون 12 يونيو/حزيران المقبل موعدا لانتخابات تعويض البرلمان المنحل، يتصاعد الجدل في الجزائر حول ملامح المؤسسة التشريعية القادمة.
ويرسم مراقبون سيناريوهات متشائمة بشأن الحظوظ البرلمانية للمنظومة الحزبية القديمة، بالنظر إلى تقدم حركة المجتمع المدني مؤخرا في المشهد العام.
وأشرفت رئاسة الجمهورية السبت الماضي على ميلاد تكتل مدني بعنوان “نداء الوطن”، يضم أكثر من 100 جمعية ونقابة ذات طابع وطني.
وركز دستور 2020 -لأول مرة- على محورية المجتمع المدني، بداية بالديباجة التي أشركت الجمعيات الأهلية في تسيير الشأن العام.
كما تضمن -في سابقة دستورية بالجزائر- 6 مواد (10 و16 و53 و60 و205 و213) حول دور المجتمع المدني، حتى تمنحه مكانة قوية، وفق تبريرات المُشرع.
ونص دستور الرئيس تبون على إنشاء “المرصد الوطني للمجتمع المدني”، لأجل ترقية دوره على مختلف الأصعدة والشؤون التي تهم البلاد والمجتمع، حسب التصريحات الرسمية.
كما ضمن -لأول مرة كذلك- قانون الانتخابات الذي أصدره تبون بأمر رئاسي تمويلَ الدولة القوائم الشبابية الحرة في مواجهة الأحزاب.
وصرح عبد المجيد تبون في أول يوم من فوزه برئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 بأنه “ليس في نيته خلق أي حزب أو حركة سياسية، فقد ترشح باسم المجتمع المدني والشباب”.

قلق وطمأنة

ورأى مراقبون أن توجه السلطة لتشجيع المجتمع المدني والشباب المستقل ضمن خطة ممنهجة يأتي من أجل التخلص من عبء أحزاب الموالاة سابقا، وكل المنظومة السياسية التقليدية؛ كونها صارت ورقة محترقة منذ 22 فبراير/شباط 2019.

كما تسعى -حسب رأيهم- إلى قطع الطريق على أحزاب المعارضة في استقطاب الوعاء الانتخابي لجمهور الحراك الشعبي، من أجل تشكيل أغلبية رئاسية في البرلمان القادم.
وأثارت تلك الهواجس ردود فعل واسعة داخل الطبقة السياسية، حيث رأت في الدفع بالجمعيات الشبابية الأهلية لتصدر المشهد نية صريحة نحو اقتحام الاستحقاق البرلماني المقبل باسم المجتمع المدني والشباب، بعدما صار مؤخرا محور الخطاب الرسمي، خاصة على لسان الرئيس تبون.
مقابل ذلك، يدافع مسؤولون حكوميون وناشطون عن المكاسب الدستورية والسياسية في تقوية مركز المجتمع المدني، باعتباره شريك تصور وقرار، من وجهة نظرهم.

ورد نزيه برمضان مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالحركة الجمعوية والجالية بالقول إن “مبادرة التكتل ليست لجنة مساندة ولا تشبه المبادرات السابقة، بل يقودها أشخاص لهم مصداقية لبوا النداء لتقديم ما يخدم الوطن”.

سحب البساط

وفي تحليل بوبكر جميلي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قسنطينة، فإن استغاثة السلطة بالمجتمع المدني ليست فكرة جديدة، فقد سبق للنظام السياسي الاستعانة به في تشكيل “المجلس الوطني الانتقالي” خلال التسعينيات بعد توقف المسار الانتخابي في 1992.
واعتبرها محاولة لسحب البساط من الأحزاب، وتجسير الفجوة الموجودة بين المجتمع والسلطة.
وقال في تصريح للجزيرة نت إن هناك “مؤشرات عديدة لمراهنة السلطة على المجتمع المدني في المرحلة القادمة”، منها على مستوى النصوص حرية تأسيس الجمعيات وتسهيل إجراءاتها في الدستور، في انتظار صدور قانون عضوي يكرس ذلك.
وفي الممارسة، تم اعتماد عدد معتبر من لجان الأحياء والجمعيات، لكن ما يلفت الانتباه هو تعيين مستشاريْن لرئيس الجمهورية لهذا الصدد؛ واحد مكلف بالمجتمع المدني عامة، والآخر بالجمعيات الدينية، كما أضاف.

ولم تقف مهامهما عند مجرد الاستشارة -حسب جميلي- بل قاما بعمل ميداني، حيث جابا ربوع الوطن، من خلال عقد لقاءات بكل المحافظات من أجل تجنيد الجمعيات، وتُوج بمشروع تأسيس كيان وطني يجمعها، تحت عنوان “نداء الوطن”.
وشدد جميلي على أن “تسييس السلطة للجمعيات الحاملة لمشاريع اجتماعية يمكن أن يؤدي إلى تلوث البيئة السياسية، وإضعاف المجتمع المدني، وإنتاج طبقة انتهازية”.
وتوقّع تعزيز السلطة لرصيدها القديم من الأجهزة والأحزاب الموالية بمستخدمين سياسيين جدد من الفضاء الجمعوي والشبابي، ولديهم حظوظ كبيرة للفوز، نظرا لعذريتهم من جهة، وتدهور السمعة الحزبية من جهة أخرى.
كما يرى أن قانون الانتخابات قد يسير في اتجاه تشجيع المنافسة المحلية أكثر من المنافسة بين قوائم الأحزاب ذات الامتداد الجغرافي الوطني، والمحصلة ستكون “برلمان فسيفساء”، يتيح تشكل تكتل موال للرئيس، ويضمن له ما يسمى في الدستور “الأغلبية الرئاسية”.

إجراءات مهمة

من جهة أخرى، ثمن عبد الرحمن حمزاوي، القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية، وهي أكبر هيئة ضمن تكتل “نداء الوطن”؛ سياسة الرئيس عبد المجيد تبون.
وقال في تصريح للجزيرة نت إنه أعطى للمجتمع المدني مكانة أساسية، ليؤدي أدوارا مهمة في الساحة الوطنية.
ونفى عن السلطة رغبتها في حشد الدعم المجتمعي لصالحها، لأن خطوات الرئيس بينت عكس ذلك، بل أثبتت الإرادة السياسية في تعزيز مكانة المجتمع المدني ودوره في حاضر البلاد ومستقبلها، من خلال حزمة إجراءات تأسيسية مهمة، في إشارة إلى ما ورد أعلاه.
وهذا ما أحدث -في نظره- ديناميكية جديدة وسط الحركة الجمعية الجزائرية على جميع المستويات، إذ أصبحت قوة اقتراح حقيقية في الساحة الوطنية، على حد تعبيره.

كما صارت -حسب حمزاوي- رقما لا يستهان به في تحقيق الديمقراطية التشاركية، وتكريس مبدأ الرقابة الشعبية، للمساهمة في صناعة التنمية الشاملة.

ويُسقط حمزاوي تخوف التشكيلات السياسية من منافستها في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، مؤكدا أن “مبادرات الحركة الجمعوية وأهدافها ستبقى مقيدة في إطار الدور الدستوري، ولن تكون أبدا بديلا عن الحياة الحزبية”.
وشدد على أن ذلك التخوف يندثر أمام قواعد اللعبة الانتخابية التي تحكمها قوانين وإجراءات، وتؤطرها هيئات دستورية، إذ لا تسمح للجمعيات بأن تشارك في العملية الانتخابية.
لكن في المقابل، أكد المتحدث أنه يمكن للنشطاء الجمعويين المشاركة عبر قوائم حرة أو ضمن الأحزاب، حتى يتسنى لهم اقتحام المجالس المنتخبة، كونهم “كفاءات ونخبا ورموزا مجتمعية قادرة على خدمة المواطن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *