من أعلى المنصة .. ياسر الفادني : إنتَ إتلَومَتَ فِينا !

يُعد الشاعر تاج السر عباس واحدًا من أبرز صانعي الغناء العذب في السودان، ينتمي إلى مدرسة السهل الممتنع، ينسج كلماته بأسلوب بسيط لكنه عميق التأثير، يتميز شعره بالوضوح والسلاسة، ويعتمد على الصور الشعرية المرهفة التي تجعل القارئ أو المستمع يعيش تفاصيلها وكأنها تنبع من وجدانه. في أغنيته “مالو لو صافيتنا إنت نجده يقدم تجربة إنسانية صادقة، يصور اللوعة والاشتياق والحنين بأسلوب راقٍ يجعل المستمع يندمج في تفاصيلها كأنه جزء من القصة

تمتاز الأغنية بجماليات بلاغية تجعلها نصًا خالدًا في وجدان المستمع السوداني، ومن أبرز هذه الجماليات التكرار في استخدامه لعبارة “إنت إتلومت فينا” بشكل مستمر مما يرسّخ الشعور بالعتاب المغلّف بالحب والاشتياق
،الاستفهام الاستنكاري كما في قوله “مالو لو صافيتنا إنت”، وهو سؤال يحمل في طياته العتاب والرجاء
،الصور الشعرية مثل “شايلة كل الدنيا آهة”، حيث يمنح العالم بُعدًا شعوريًا مؤلمًا يعكس حزن الشاعر، التشبيه البليغ كما في غيمة شايلا عمرنا واحة ، حيث تتحول العودة إلى الحبيب إلى غيمة تحمل الأمل والخضرة للحياة.

الفنان الراحل خوجلي عثمان كان يمتلك خامة صوتية دافئة وعذبة، تميزت بعمقها وإحساسها العالي ، صوته يجمع بين الرخامة والطرب الأصيل مما جعله قادرًا على أداء الأغاني العاطفية بطريقة تترك أثرًا لا يُمحى في القلوب، امتاز أداؤه بالبساطة الممزوجة بالإحساس العميق، ولم يكن يغني ليبهر بقدر ما كان يغني ليصل إلى الوجدان مباشرة

في أغنية “مالو لو صافيتنا إنت”، استطاع خوجلي عثمان أن يمنح الكلمات حياة جديدة، حيث تناغم أداؤه الصوتي مع النص ليجعل الأغنية قطعة فنية متكاملة تجمع بين روعة الكلمة وسحر اللحن وعذوبة الأداء

في هذه الأغنية، نجد أن النص كان يتطلب صوتًا قادرًا على التعبير عن الشجن والعتاب الممزوج بالحب، وهذا ما وجده في خوجلي عثمان، الذي أضاف لمساته الخاصة إلى اللحن والأداء، مما جعل الأغنية خالدة في ذاكرة السودانيين.

إني من منصتي أستمع بحب …إلي أغنية مالو لو صافيتنا إنت… لأنها ليست مجرد أغنية بل هي تجربة شعورية كاملة تنقل المستمع إلى عوالم الحنين والشوق والعتاب الجميل، كلماتها العذبة، صورها البلاغية المؤثرة، صوت خوجلي عثمان الشجي، كل ذلك جعل منها واحدة من روائع الأغنية السودانية التي ما زالت تتردد عبر الأجيال ودا… الغنا ولا بلاش .

مقالات ذات صلة