من أعلي المنصة .. ياسر الفادني : والي سنار.. قبل أن تجرّ قلم !

ولاية سنار ليست كأي ولاية، فهي أرض الأصالة والكرم، لكنها في ذات الوقت ولاية لا تقاد بسهولة، قد كانت على الدوام محرقة للولاة الذين لم يفهموا تركيبتها الفريدة، إذ أن السياسة تجري في عروق أهلها كما يجري النيل في مجراه، فبين كل ثلاثة تجد سياسياً، وبين كل تجمع يبرز صوت للمطالبة بالحق والعدل

سيدي الوالي، إن أولى خطوات النجاح أن تدرك أن سنار لا تُحكم بالعصا، ولا تُدار بسياسة الإنحيار لطرف دون الآخر، بل تحتاج إلى حكمة توازي في عمقها تاريخ السلطنة الزاهر الذي إحتضنته. إحذر من بطانة السوء التي أسقطت الكثيرين من قبلك، فالطريق إلى النجاح يبدأ من نقاء الدائرة القريبة منك ومن وضوح الرؤية التي لا تتبدل وفق المصالح الشخصية الضيقة

لا تزال بعض مناطق الدالي والمزموم تنزف جراء عبث المليشيا التي عاثت فيها سرقةً ونهباً، وإذلالاً للناس وسجوناً لم يسلم منها الأبرياء، لا بد من عمل حاسم بالتنسيق مع القوات المسلحة لتطهير تلك المناطق وإعلان ولاية سنار خالية من التمرد، حتى تعود لأهلها آمنة مستقرة كما كانت

أما البنية التحتية فقد تركتها الحرب خرابًا، فلا المؤسسات بقيت كما هي، ولا مرافق الخدمات حافظت على دورها، إنها مسؤوليتك الكبرى أن تعيد تأهيل ما دمرته المليشيا، وأن تطرق أبواب الحكومة الاتحادية بقوة لضمان دعم كافٍ لإصلاح ما أفسدته الحرب، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا إمتلكت وضعية قوية داخل المركز، تحظى بها باحترام وثقل يجعلك رقماً صعباً في معادلة الحكم

سنار، سيدي الوالي، ولاية زراعية بامتياز، وهي ثاني أكبر الولايات المنتجة بعد القضارف ، لكنها خرجت من الموسم المطري الأخير، مشاريعها التي رأيتها بعد التحرير لم أجد فيها إلا( العدار والقش الذي قام بروس) ،المزارعون ينتظرون يد العون بعدما فقدوا آلياتهم الزراعية. عليك بالتحرك العاجل لتحريض البنوك على تمويلهم، وتوفير المستلزمات الضرورية لإنجاح الموسم الزراعي القادم، فالتخطيط المبكر هو مفتاح النهضة الزراعية التي تحتاجها الولاية.

أما على مستوى الجهاز التنفيذي، فلا بد من تمحيص دقيق في أداء الوزراء الحاليين، فهناك من أثبت نجاحه، وهناك من بات رحيله ضرورة لا تحتمل التأجيل، فالمسؤولية الآن ليست مكاناً للمجاملات، بل تحتاج إلى القوي الأمين، الذي يترجم الأقوال إلى أفعال، لا إلى جُحا الذي حلم بالمجد ثم أسقط زجاجات السمن بعصاه !

ولا تكتمل نهضة الولاية دون إصلاح الخدمة المدنية، فهناك من لا يزال قابضًا على المناصب رغم فشله وولائه لعهد التيه، بينما أبناء الولاية من الشباب الوطنيين والمتعلمين، الذين حملوا السلاح وضحوا أحقّ بها. فالتغيير هنا ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان بناء ولاية تليق بتطلعات أهلها.

إني من منصتي انظر …. حيث أرى… أن والي الولاية المكلف حديثا الطريق أمامه ليس مفروشًا بالورود، ولا معبدًا بالأماني، بل هو شاق وطويل، يحتاج إلى قرارات قوية، ونظرة ثاقبة، وإرادة لا تهتز أمام التحديات، الأيام القادمة ستكون كاشفة، وعملك هو من سيتحدث عنك، وسنكون شهودًا ومراقبين، نقدم لك النصيحة متى ما إحتجت إليها، لأن ما نريده جميعًا هو ولاية سنار عامرة بالإنجازات، متعافية من جراحها، ومضيئة بمستقبل يستحقه أبناؤها.

وفقك الله وسدد خطاك.

مقالات ذات صلة