خبر وتحليل -عمار العركي : بعد حراك دبلوماسي سوداني ناجح: “روتو” بين إرضاء الإمارات والانشقاق داخل حكومته

▪️الدعوة التي وجّهها رئيس الوزراء الكيني لوزير الخارجية السوداني إلى نيروبي، والتي تزامنت مع تحرير القيادة العامة، وصفناها حينها بـ”انتصار تحرير كينيا”، وأكدنا أنها ستكون نقطة تحول في اختراق الموقف الكيني من خلال تفاهمات بناءة مع رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الكيني، موساليا مودافادي.
وجاءت نتائج تلك الزيارة مُثمرة، حيث وقّع الطرفان بيانًا ختاميًا مشتركًا، أكدا فيه التزامهما بتعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، بما في ذلك الدبلوماسية والاقتصاد والسياسة، مع مواصلة التنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. كما تعهدا بالعمل سويًا لدعم مبادرات السلام في المنطقة، ومعالجة التحديات الملحة المتمثلة في الإرهاب والتطرف والاتجار بالبشر.، واتفق الطرفان على استئناف عمل اللجنة الوزارية المشتركة، وعقد لجنة التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين.
▪️في خطوة أخرى، قام “موساليا” بترتيب لقاء مباشر بين وزير الخارجية السوداني والرئيس الكيني ويليام روتو، والذي خرج بتصريحات إيجابية وحاسمة، أبرزها تأكيده أن “كينيا لن تعترف بأي حكومة منفى في السودان أو في أي دولة أفريقية”، مشددًا على أن هذا موقف ثابت لبلاده.
عودة إلى بيت الطاعة الإماراتي
▪️هذا الموقف الكيني لم يرضِ الإمارات، التي سرعان ما حركت أدواتها وأذرعها للضغط على “روتو”، ليعود مُسرعًا إلى “بيت الطاعة الإماراتي”. عبر الرئيس الكيني لاحقًا عن “اعتذاره” بمشاركته في الاجتماع الإماراتي الفاشل بشأن الوضع الإنساني في السودان، وكمحاولة لاسترضاء أبوظبي، دفع غرامة مالية غير معلنة رسميًا، لكن تم تسويقها تحت غطاء “تبرع لدعم الوضع الإنساني في السودان” بقيمة مليون دولار.
▪️إلا أن الإمارات لم تكتفِ بذلك، بل واصلت تصعيد ضغوطها على “روتو” لإتمام إعلان حكومة المليشيا وعملائها في السودان. هذا التدخل السافر أثار غضب رئيس الوزراء “موساليا” ووزراء آخرين في الحكومة الكينية، مما أدى إلى تصاعد الخلافات الداخلية مع “روتو”. هذه الخلافات أصبحت عائقًا حقيقيًا، وأدت إلى تأجيل الإعلان عن “حكومة” للمرة الأولى.
*_تفكك داخلي يُضعف موقف المليشيا_*
▪️في الأثناء، صدرت بيانات رسمية من القوى الرئيسية التي كانت تسعى لإعلان الحكومة الموازية — القيادة العسكرية لحركة العدل والمساواة، والأمانة العامة لحزب الأمة القومي — تعلن بشكل قاطع نفض يدها من هذا المخطط، مؤكدين أن المجموعة الموجودة في نيروبي لا تمثل الحركة ولا الحزب، وأن الموجودين داخل القاعة للتوقيع هم مجرد “أشخاص بلا تفويض أو صفة رسمية”، بل مجرد مواطنين سودانيين لا أكثر.
هذه الخطوة عززت موقف التيار المعارض داخل الحكومة الكينية، بقيادة “موساليا”، الذي بدأ يلوّح بتحذيرات صدرت من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، تؤكد أن واشنطن “لن تعترف بأي حكومة تنشأ في السودان خارج الأطر الشرعية، وستنظر في معاقبة المشاركين فيها”.
*_تحذيرات سودانية وتصعيد دبلوماسي حاسم_*
▪️وسط هذا التجاذب، تحركت وزارة الخارجية السودانية بذكاء وفعالية، فأوصلت رسائلها التحذيرية للحكومة الكينية، مؤكدة أن المضي قدمًا في هذا المخطط يمثل تدخلًا سافرًا في الشأن السوداني، إلى درجة إعلان حرب على السودان ومحاولة تفكيكه. هذه الرسائل لعبت دورًا حاسمًا في تعطيل اندفاع نيروبي نحو دعم الحكومة الموازية.
*_التأجيل الثاني.. وفشل حتمي في الأفق_*
▪️عجزت الإمارات في نهاية المطاف عن تجاوز هذه العقبات، فلم تجد أمامها سوى خيار الخروج بتأجيل ثانٍ لإعلان الحكومة الموازية إلى يوم الجمعة 21 فبراير، في محاولة يائسة لشراء الوقت وإعادة ترتيب أوراقها. لكن، وعلى الرغم من كل الضغوط الإماراتية، حتى لو تراجعت الإدارة الأمريكية ووافقت القيادة الشرعية لحركة العدل والمساواة على الانضمام لاحقًا، فإن الواقع السياسي والميداني السوداني بات يقول بكل وضوح: “لا شرعية لحكومة تصنعها المليشيات”.. لا في نيروبي، ولا في أبوظبي، ولا في أي مكان آخر.
▪️السودان، حكومةً وشعبًا، قال كلمته: لا للمليشيا، ولا لحكومة الوطن البديل، ولا لأي مشروع خيانة، ومهما تعددت المحاولات، فمصيرها جميعًا الفشل، كما فشل كل من ظن أنه قادر على كسر إرادة هذا الشعب الأبي.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
▪️السودان، شعبًا وقوات مسلحة، بدأ معركته وحده، دفاعًا عن كرامته وسيادته، وسط عالم تآمر عليه، وانتصر رغم كل التحديات. واليوم، وهو في خواتيم الحسم والنصر، لا يحتاج لإذن أو دعم من أحد ليُكمل مهمته. فإن كان العالم يرفض تصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية رغم المجازر التي ترتكبها، فهذا شأنه، لكن السودان لن ينتظر قرارات مترددة ولا مواقف مشروطة.
▪️لقد أسقطت هذه الحرب الأقنعة، وكشفت زيف من يرفعون شعارات العدالة وحقوق الإنسان، بينما يصمتون أمام الإبادة والتآمر والاحتلال بالوكالة. أما السودان، فسيحسم معركته بإرادته وحده، وسيسقط مشاريع الخيانة والتقسيم، كما أسقط كل من سبقهم.
لا حكومة للمليشيا، ولا وطن بديل، ولا شرعية تُمنح لمن باعوا أنفسهم بثمن بخس. السودان ماضٍ نحو النصر، ولن يوقفه أحد.