مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : بيننا وعلي قاقرين كثير مودة…فدموع الحزن لاتكفي

ذات صباحية شتوية كثيرة الغمام بمدينة بورسعيد أواخر ثمانينات القرن الماضي ونحن كنا مجموعة طلاب جدد قادمين للدراسة بمصر وبعد اسبوع من وصولنا اخطرنا الزملاء بضرورة ان نشتري ملابس الشتاء من مدينة بورسعيد الساحلية علي البحر الأبيض المتوسط فهي مدينة حرة والبضائع رخيصة ، وقد كان عددنا حوالي السبعة ، دخلنا الي سوق الملابس وقد كان صاخبا مزدحما وقد تعالت صيحات الباعة و تجمعوا حولنا (سمارة ياسمارة.. تعالوا هنا يا ابناء النيل حاجتكم كلها عندنا) ، واخرين يروجون لبضاعتهم بالصراخ …. تعال بص باثنين ونص… وبينما نحن كنا في دهشة وتوتر ، فكان ان استغل الوضع احد الباعة من تجار المحلات ، فكان ان قادنا امامه كالقطيع ممسكا ببعضنا من اياديهم حتي لانفلت منه .. تعالوا تعالوا حبايبي السودانيين ، فادخلنا الي متجره الكبير بوسط سوق الملابس في بورسعيد.. وقد انخفض تيروميتر التوتر عندنا وقتها لاننا سودانيين بطبعنا لانحب الصخب والضجيج ، اجلسنا الرجل علي كراسي داخل المتجر.. واول مالفت نظرنا داخل المتجر هي صورة كبيرة لنجم الهلال السوداني لكرة القدم وكابتن منتخب السودان خلال سبعينات القرن الماضي وحتي العام 1980 م الرمح الملتهب ورجل الثواني علي قاقرين ، كلنا وقد تهللت اساريرنا بعد أن راينا صورة علي قاقرين بزي المنتخب القومي وهو يجلس ممسكا كرة القدم بيديه… فسألنا البائع… تعرفو دا… فكلنا اجبنا علي قاقرييين… وواصل حديثه صاحبي وحبيبي.. لما يجي هنا بورسعيد علي طول يجي عليا هنا في المحل وياخد قهوته واجيبلو كل حاجته .. مش بيشتري ابدا من مكان تاني… كانت فرحتنا عظيمة وقد كبر هذا البائع كثيرا في نظرنا وشعرنا بالفخر والفرحة بكونه يعظم نجم الكرة السودانية وحبيب الملايين علي قاقرين.. فاستجبنا لكل طلباته بدلا ان يستجيب لنا هو.. فلم يدعنا نتحرك شبر من متجره اشترينا منه وحتي المقاسات غير الموجودة عنده ياتينا بها من جيرانه… ولعل أغرب مافي الأمر هو أنني وحينما تعرفت علي السفير دكتور حيدر حسن حاج الصديق (علي قاقرين) في العام 2001م م ووقتها كان يقدم برنامج رياضي علي الفضائية السودانية وقد استضافني مشكورا للتعليق علي واحدة من فقرات برنامجه وحين رويت له قصة البائع البورسعيدي صديقه وصورته المعلقة في متجره ، فاجأني الراحل علي قاقرين بالقول ، غريبة عمري ما مشيت بورسعيد. دا غشاكم بس ..
في العام 2014 م وحينما تم تعيين السفير علي قاقرين كخبير استراتيجي في جهاز الأمن والمخابرات الوطني توطدت علاقتي به ، واذكر ان مدير احدي المنظمات المهتمة بقضايا حقوق الإنسان والتي لديها عضوية استشارية بمجلس حقوق الإنسان سويسرا قد طلبوا مني ترشيح شخصية سودانية لتقديم ورقة باللغة الفرنسية حول تأثير العقوبات الاقتصادية علي وضعية الأطفال في السودان ، فرشحت لهم السفير م. علي قاقرين وقد وافقوا علي الفور وكنت قد تواصلت معه واخطرته ، وقد تابعت مع المنظمة كل إجراءات سفره والحجز له للفندق حتي استلام نثريات السفر وغادر قبلنا بأسبوع الي جنيف، وحينما التقيت به في مكاتب البعثة السودانية بجنيف جاء اليا بالاحضان وهو سعيد جدا ، ومن شدة الاندفاع نحوه كان ان عفصته علي أصبعه الكبير اعتذرت له ولكنني
احسست بالندم وخشيت ان اكون قد تسببت له في اذي.. بعد حوالي ساعة التقيته بقاعة المؤتمرات فقلت له والله انا حاسس بالندم ، اوع يكون عوقتك ؟ فضحك وقال لي ساخرا يا أخي انت نسيت اني انا كنت كابتن السودان والهلال وصلنا وجبنا في ملاعب السودان وأفريقيا ورجلي دي ياما عفصوها فطاحلة كراع الواحد فيهم قريب نص متر يجو ، تقول لي عوقتك بكراعك الصغيرة دي… هكذا كان الراحل علي قاقرين ريحانة المجالس وحبيب الملايين ومن نعم الله عليه انه كان شخصا محبوبا لكل من عرفه هاشا باشا متواضعا ومحبا ومخلصا لوطنه بشكل لايوصف.. .. نسأل الله له الرحمة والمغفرة والعتق من النار انا لله وانا اليه راجعون.