ترامب وسقوط الإمبراطورية الأمريكية

الخبر:
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عددا من الأوامر التنفيذية والتصريحات التي كانت وما زالت مثار جدل في الأوساط السياسية والإعلامية؛ فزاد الرسوم الجمركية على بعض الدول، وتوعد دولا أخرى، ورحل آلاف المهاجرين من أمريكا، وأوقع عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، كما توعد بترحيل أهل غزة، وانسحب من منظمة الصحة العالمية، ومن مجلس حقوق الإنسان، ومن اتفاقية المناخ، وغيرها من القرارات والتصريحات.

التعليق:
في حلبة مصارعة الثيران، لا يستطيع المصارع ضعيف البنية الانتصار على الثور الضخم، الهائج في بداية الجولة، وإن وقف أمامه، فهو مقتول لا محالة. لكن النزيف المستمر، بسبب السهام الصغيرة، يجعل هذا الثور بقرونه الطويلة يخر راكعاً في النهاية، ثم يموت.
إن الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب، هي بمثابة صافرة بداية الصراع، فانهالت السهام على الثور الأمريكي الهائج، وتقاطرت عليه من كل حدب وصوب.
فبعد زيادة الرسوم الجمركية، على كندا والمكسيك والصين، ردت عليه هذه الدول بالمثل، وذلك قبل أن يتراجع عنها. أما رئيس بنما، فقد وصف أمريكا بالكاذبة، في رده على ادعاء ترامب “إعفاء سفن الحكومة الأمريكية من رسوم عبور القناة”، واستطرد قائلاً: “إن القناة بنمية وستبقى بنمية”.
وقد اصطف آخرون، ونثروا كنانتهم، استعداداً لرمي الثور الهائج بسهامهم؛ فوزير خارجية الهند توعد بإجراءات صارمة، نتيجة لترحيل المهاجرين الهنود. ورد بوتين بقوة على تهديد ترامب لدول البريكس، وكذا فعل ملك الدنمارك، رداً على التهديد بأخذ جزيرة غرينلاند. أما دول الاتحاد الأوروبي، فكان موقفها أكثر سفوراً وتحدياً، حيث قال رئيس وزراء فرنسا، بايرو: “إن فرنسا والاتحاد الأوروبي قد يُسحقان بسبب السياسة المعلنة لترامب، إن الولايات المتحدة قررت سياسة مهيمنة على نحو لا يُصدق”. وأضاف: “إذا لم نفعل شيئاً، فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق، والأمر منوط بنا نحن الأوروبيين، لاستعادة زمام الأمور”. وعلى صعيد متصل، قال ماكرون: “إن أوروبا بحاجة إلى اتخاذ مواقف قوية وفعالة”. واستطرد قائلاً: “أن تكون حليفاً لا يعني أن تكون تابعاً”. وقال المستشار الألماني شولتس: “نحن قادرون على صياغة شؤوننا الخاصة، ويمكننا أيضاً الرد على سياسة الجمارك بسياسة مماثلة. يجب علينا أن نفعل ذلك وسنفعل”.
وعلى هذا المنوال توالت الردود، وحتى بابا الفاتيكان أدلى دلوه، ورمى بسهمه، واصفاً ترحيل المهاجرين من أمريكا بأنه “عار”.
إن علم فلسفة التاريخ هو من أخطر العلوم الإنسانية، لأنه يلقي الضوء على مسيرة التاريخ البشري، ويحاول أن يستخلص منه الدروس والعبر، فهو علم يدرس صعود الحضارات وزوالها، والعوامل التي تؤدي إلى ذلك، ومن أهم رواده، ابن خلدون، وكانط، وهيغل، وكونت، وماركس. وقد اتفقوا على كثير من العوامل التي تؤدي إلى سقوط الدول، وقد تحققت كثير من هذه العوامل في واقع أمريكا الراهن.
لقد سقطت بريطانيا من مركز الدولة الأولى في العالم، بعد أن كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وذلك بعد تحقق عناصر السقوط، فكان قرار تشرشل بمثابة القشة التي قصمت ظهرها، وذلك بإغرائه لأمريكا بالدخول في الحرب العالمية الثانية، فأزاحتها أمريكا عن مركزها، وحلت محلها. وكذا فعل غورباتشوف بنظرية البريسترويكا، فانفرط عقد الاتحاد السوفيتي، وتناثر إلى دويلات، بعد أن كان الدولة الثانية في العالم.
هل سيفعلها ترامب؟
إن البلاد الإسلامية نالها النصيب الأوفر من تهديدات ترامب، فقد طالب السعودية بدفع خمسمائة مليار دولار، ثم ما لبث أن رفع السقف إلى تريليون دولار، ثم طالب بأن تصادر أموال السياسيين العراقيين، المودعة في البنوك الأمريكية، مقابل ما خسرته أمريكا في حرب العراق. وطالب مصر، والأردن بتوطين الفلسطينيين، بعد تهجيرهم من غزة، في تحدٍّ سافر لجميع الأعراف الدبلوماسية، ومخالفاً لكل القوانين الدولية! وفي تجاهل تام لمشاعر المسلمين.
ورغم إثارة الرأي العام الدولي ضده، بسبب هذا التصريح، إلا أنه لم يتراجع إلا مؤقتاً، كما قال ذلك صراحة: “نحن لسنا على عجلة من أمرنا”. وفي تصريحاته الأخيرة ذهب أبعد من ذلك، حيث قال: “لا حق للفلسطينيين بالعودة إلى غزة، وأنا ملتزم بشراء غزة، وامتلاكها”.
ومع كل هذه الإهانات لم نر سهماً واحداً أطلق، ولا كنانة نُثرت من حكام المسلمين، إلا من مواقف خجولة بالاستنكار والرفض!
وعلى قول الفيلسوف الفرنسي: “في السياسة الدولية صنفان: آكلو الأعشاب وآكلو اللحوم. فإن لم تكن من آكلي اللحوم، فستكون فريستهم”. وقد صدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما قال: “ما من قوم تركوا الجهاد إلا ذلوا”.
كلمة واحدة يصدح بها خليفة المسلمين “حي على الجهاد”، حتى يتبدل حال المسلمين من الذل، والهوان، إلى عز الدنيا والآخرة. فهل من مجيب؟!

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور – ولاية السودان

مقالات ذات صلة