الآثار النفسية من الحرب في السودان … بقلم: الأستاذ أبوبكر الشريف التجاني الشريف
![](https://www.atheernews.net/wp-content/uploads/2025/02/ea941ef4-2361-48c7-8fcc-a550d28f5f1c-640x470-1.jpeg?v=1739209790)
_____________
بسم الله نبتدي وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نقتدي.
الآثار النفسية نتيجة الحرب في السودان، سواء على المدى القريب أو البعيد، تعد من أهم المشكلات التي سيعاني منها الشعب السوداني بعد أن تضع الحرب أوزارها. معالجة هذه الآثار النفسية ومقاومتها لا تقل أهمية عن مقاومة العدو ودحره، لأن هذه الحرب لم تكن حربًا عادية، بل كانت شاملة استهدفت كل مكونات الشعب السوداني ومقدراته الروحية والمادية.
لقد كانت حربًا استهدفت المواطن في المقام الأول بجيش من المجرمين الذين أُخرجوا من السجون، بالإضافة إلى معتادي الإجرام من الدول المجاورة، الذين سعوا في الأرض فسادًا وترويعًا ونهبًا واغتصابًا وقتلًا. إنها صورة حقيقية لما يسمى بـ”الفوضى الخلاقة” التي وعد بها الغرب قبل عقدين من الزمان، عندما أشاروا إلى أن السودان موعود بفوضى خلاقة.
وقد تحقق وعدهم وظهر كيدهم، حيث صمت الغرب عن التنديد بما يقع في السودان من تنكيل وتقتيل واغتصاب ونهب لمواطنين عزل لا حول لهم ولا قوة، حتى العمل الإنساني وحقوق الإنسان التي يتبجح بها الغرب كانت غائبة تمامًا، وكأن الإنسان السوداني الذي يتعرض لهذه المآسي ليس له قيمة في حساباتهم.
هذا هو الغرب الذي يدعي الحضارة والإنسانية، ولكنه عندما تتقاطع مصالحه، يظهر على حقيقته. لقد فقدنا الثقة في كثير مما كان يتظاهر به الغرب عبر منظماته الأممية، التي لم تعد تمثل لنا في قيمنا وأخلاقنا أي أهمية.
في الحقيقة، إن الله كافٍ عبده، وهذا ما نعتمد عليه. ما أصابنا من مصائب في هذه الحرب نحن قادرون، بعون الله تعالى، على مقاومتها ومعالجتها، بل وتحويلها من نغمة إلى نعمة. ثوابتنا في القرآن الكريم وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم هي المصدر الأساسي لقوتنا ومناعتنا الإيمانية.
لقد جعل الله تعالى الإيمان بالقضاء والقدر والرضا به من أركان الإيمان، وأتبع ذلك بلطفه الخفي بعباده، سواء كان ذلك بالتسلية أو الابتلاء أو رفع الدرجات. الابتلاء، كما ذكر أهل الحكمة، يُحول محنة المؤمن إلى رِضًا وفرح، كما قال الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”.
قلب المؤمن، عندما تواجهه المصائب، كالبطارية التي تزداد قوة كلما دعا الله أن يفرغ عليه صبرًا. الصبر هو توفيق من الله ولطف منه بعباده.
التأهيل النفسي عبر الدين: الصبر في تعريفه هو حبس النفس على المكاره، وأيضًا حبس النفس على الطاعات من الطغيان والبطر. لذلك، نحن لسنا بحاجة إلى تأهيل من غير الله، فهو الذي أعد المؤمن لهذه الابتلاءات. عند وقوع المصيبة، يكون العبد أقرب إلى الله تعالى عبر الإنابة والاستغفار والدعاء، كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو في الطائف:
“اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدوء ملكته أمري، أم إلى بعيد يتجهمني؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي…”
هذا هو النموذج الحقيقي لتفاعل المؤمن مع البلاء، إذ يلجأ إلى الله بالدعاء والتضرع، ثم ينزل الفرج من الله بالنصر والبشرى.
الآثار النفسية للحرب على المدنيين: إن من أشد الآثار النفسية التي خلفتها الحرب في السودان هو الخوف من المستقبل المجهول، خاصة بعد أن فقد كثيرون أموالهم وأعراضهم وأحباءهم. بل إن البعض شهد هذه المآسي تحدث أمام أعينهم.
هذا الوضع يجعل المدنيين، الذين كانوا ضحايا لهذه الحرب، في حاجة ماسة إلى إعادة تأهيل نفسي يخلصهم من هذه الآثار السلبية. المخرج الأساسي من هذا كله هو الرجوع إلى الله بالاحتساب والإنابة، والثقة بأن الله مع الصابرين.
ختامًا: نسأل الله الشفاء العاجل لكل من أصابته نار الحرب وظلمها، وأن يعود السودان قويًا معافى، آمنًا وسالمًا، وأن يرد كل نازح إلى وطنه، ويعوض الله كل مظلوم ولو بعد حين.
الله المستعان، والسلام على من اتبع الهدى.