رحم الله الرجل القامة احمد عبدالرحمن .. بقلم / د . هويدا صلاح الدين العتباني

بسم الله الرحمن الرحيم

    تموت الأشجار السامقة واقفة ،  لم أجد وصفا أقرب من هذا لأصف به الرجل الأمة الأستاذ أحمد عبد الرحمن ، فقد بلغ التسعين من العمر و ذاكرته المتقدة ونشاطه وحيوته وكأنه  في أوج الشباب ، لم أره يكل أو يمل من التواصل بالناس ، فقد حفلت حياته بالإنجاز والمجاهدات والمجابهات المتتالية في شتى المجالات ، فكان له شأن بارز في دروب الحياة التي عركها و عركته، سقى و رعى ثم حصد ما بذره من خير وارف.

وحين أتحدث عن أحمد عبدالرحمن فأنني أتحدث عن الرجل الذي قابلته عشرات المرات في مكتبه ومنزله في السودان وخارج السودان ، اتحدث عن الرجل الذي أشرف على بعض الملفات التي كان لي شرف المشاركة فيها ، أتحدث عن الرجل الذي سافرت معه أكثر من عشر مرات الى دول مختلفة  . فكان نعم الأب ونعم الأخ و نعم الصديق ونعم الرئيس الذي يوجه و يرشد و يشرف و يراقب بقدرات إدارية وخبرات واسعة.

        عرفت عنه انه عمل مع الدكتور حسن الترابي بعد ثورة أكتوبر، مما ساعد في تقليل سيطرة اليسار على جبهة الهيئات، وهو
أول من قاد الحراك في المصالحة الوطنية بعد أحداث 1976 فأصبح بعدها  وزيرا للداخلية إبان حكم مايو ، ثم كان من أوائل المعتقلين حين إنقلب النميري على الإسلاميين بعد زيارة جورج بوش الشهيرة إلى السودان و ترحيل الفلاشا ، ومن أبرز علاقاته الواسعة الممتدة علاقته بالسعودية التي عمل فيها لفترة من الزمان  و بالتحديد علاقته بمحمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي مما ساعد على جلب التمويل للعمل الطوعي والخيري في السودان   ، صداقاته أمتدت خارج نطاق الحركة الإسلامية ، فهو سياسياً له علاقات وطيدة بحزب الأمة وعلى وجه الخصوص هناك صداقة عميقة ضمته بالمرحوم عمر نور الدائم،  وخارجياً هو من مهد للعلاقة بالصين ومن ثم فتح مجالات الإستثمار المختلفة لمشروعات الصين في السودان .

      أكثر المحطات التي كان لي شرف المرافقة للإستاذ أحمد عبدالرحمن هي المؤتمر القومي العربي و المؤتمر القومي الإسلامي، و اللذان يمثلان منبران مناهضان للتطبيع و الحوار مع إسرائيل ، يلتقي فيه القادة العرب من شتى الدول ، حيث يعقد كل عام في دولة عربية ، وإذا لم يجد دولة تستضيفه فإنه يعقد في لبنان دولة المقر ،وعليه ترافقت معه وفي معية الأستاذ يسين عمر الإمام رحمه الله و الأستاذ ناصر السيد أمد الله في عمره  الى اليمن والجزائر و تونس والمغرب و البحرين و مصر و لبنان . وعندما طلبت إدارة المؤتمر الاجتماع في السودان سارع الأستاذ أحمد في الإتصال بالمسؤولين لتكون دورة السودان من أنجح الدورات .
    ولا يخفى دوره البارز مع بروفسير الطيب زين العابدين في ترسيخ برنامج التعايش الديني و إستضافته عبر مجلس الصدافة لمؤتمر الفريق العربي الإسلامي المسيحي للحوار  برئاسة القس رياض جرجور .

     كان أحمد عبد الرحمن موسوعة و مرجعية سياسية وتاريخية تستمد منه شتى المعلومات المهمة  و الأخبار بكل سلاسة ، لا يسأم المرء من الجلوس معه و الاستماع إليه و الاستمتاع بسرده و حكيه ، وهذا ما يجعله فقد حقيقي للسودان.

    رحم الله أحمد عبدالرحمن وأحسن مثواه وأدخله جنة عرضها السموات والأرض.
والعزاء موصول لإبنته الصادقة الصدوقة عفاف وأبنائه البنا و ياسر وزوجته الفاضلة نور .

مقالات ذات صلة