يوسف سيد أحمد .. الراية لن تسقط بإذن الله
تأملات
جمال عنقرة
كثيرون عندما سمعوا نبأ رحيل أخي وابن أخي الحبيب ابن الحبيب يوسف سيد أحمد خليفة، اتصلوا بي قبل أن يتصلوا بأشقائه عادل وأمير، وأبنائه أحمد وعلاء الدين والنوراني، ذلك أنهم يعلمون حجم علاقتي بهذه الأسرة العميقة، ولقد كتبت عن ذلك كثيرا، وكتب عنه بعضهم في مقدمتهم رائد الأسرة الراحل المقيم الأستاذ سيد أحمد خليفة الرجل الاستثنائي له الرحمة والمغفرة، ودائما ما يذكر عادل عندما كنت أزورهم في بيتهم العامر في السجانة قبل أكثر من أربعين عاما وهو لم يزل وقتها تلميذا في المرحلة الثانوية العامة، يقدم لنا الخدمات، ويشاركنا الطعام والكلام، ولقد أشار يوم أمس إلى البلكونة التي كان أبو السيد يرحمه الله يجلس فيها مع شخصين فقط، الراحل العظيم شيخ العرب الدكتور عمر نور الدائم، وشخصي الضعيف.
عندما توفي سيد أحمد خليفة قبل عقد من الزمن ويزيد قليلا كان فقده عظيما جدا علي كل المستويات، في الحياة العامة أولا، والتي كانت له فيها بصمات ومشاركات ورؤية خاصة به هو وحده، وكانت له مقدرة غير متاحة علي إستيعاب الآخرين مهما كانت التباينات والاختلافات بينهم، وعلي مستوي الصحافة، ويكفي أن نشير إلى أن حي الصحافة الكبير في الخرطوم أطلق عليه هذا الإسم وفاء لدور جريدة الصحافة في تثبيت حقوق المواطنين هناك، وكان أبو السيد هو الذي قاد هذه الحملة، وعلي مستوي صحيفة “الوطن” التي أسسها وصارت عنوانا بارزا في الصحافة السودانية، وعلي مستوي ال خليفة، وعموم المساعداب، والذين لم يكن سيد أحمد أكبرهم سنا، ولكنه كان رمزا وعنوانا لهم، وعصاهم التي يتكئون عليها، ويهشون بها علي كل شئ، فلما توفي سيد أحمد ترك فراغا طويلا عريضا، وظن كثيرون أن بموته سوف “ينكسر المرق، ويتشتت الرصاص” وتسقط كل الرايات التي كان يرفعها أبو السيد عالية خفاقة، وكان هو ساريتها وروحها، ورياحها، وأشهد أن أبناءه بقيادة كبيرهم المرحوم بإذن الله تعالي يوسف، رفعوا كل الرايات مثلما كان يرفعها والدهم الراحل المقيم الرجل العظيم سيد أحمد خليفة.
يوسف تحديدا لم يكن دورهم كبيرا في الحياة العامة قبل وفاة والده لهما الرحمة والمغفرة، لا سيما في مجال الصحافة التي لم تكن له فيها مساهمة قط، لذلك عندما وضع قدميه علي بلاط صاحبة الجلالة استغرب كثيرون، ولم يتوقع له أحد النجاح، وظن كثيرون أن راية “الوطن” سوف تكون أول سواقط ميراث سيد أحمد خليفة، إلا أن يوسف إستطاع بفضل الله تعالي أن يبقي علي راية الوطن عالية حتى آخر لحظة في حياة، وأقول، وبتجرد وصراحة شديدين، أن منهج يوسف الذي أدار به الصحيفة، ومدرسته، رغم اختلاف كثيرين معه فيهما، ورغم اختلافي شخصيا معه في هذا المنهج، وكذلك شقيقيه عادل وأمير، ولكنه المنهج الوحيد الذي كان متاحا ليعصم راية الوطن من السقوط، وأشهد أن شقيقيه عادل وأمير رغم اختلافهما معه في ما سار عليه، لكنهما لم يفارقاه أبدا، ولم يعطلا مسيرته وفق ما يري، بل كانا يدعمناه في بعض الأحيان رغم الإختلاف، ويعلم العاملون في “الوطن” أني رغم تركي لرئاسة التحرير قبل فترة، لكنني لم أترك الوطن، ولا يزال مكتبي فيها موجودا، وكلمتي مسموعة عند الجميع، وفي مقدمتهم الحبيب الراحل يوسف، ولقد عملنا جميعا بنظرية “إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”
استطاع يوسف في السنوات العشر التي خرج فيها إلى الحياة العامة من باب الصحافة أن يكتب اسمه بأحرف من نور، وأن يصير رقما لا تخطئه عين، وصار يوسف سيد أحمد اسما قائما بذاته، ولم يستمرئ العيش علي ميراث والده العظيم.
علي مستوي الأسرة الكبيرة والصغيرة ملأ يوسف مكان والده وفاض، وذكرت أمس أن ما تميز به يوسف علي والده صاحب الميزات التي لا تحصى ولا تعد، أن يوسف “قاااااااعد” لا يغادر الخرطوم، بل لا يغادر “السجانة” إلا ليعود إليها، وهذه جعلته متاحا لأهله وعشيرته، وأصحابه يجدونه متى ما احتاجوا إليه، هذا فضلا عن أن يوسف أخذ كثيرا جدا جدا جدا من “حنية” والدته العظيمة الحاجة سكينة “الإختيار” لهما الرحمة والمغفرة، وكان أحن علي أبناء شقيقيه عادل وأمير من والديهم.
مكتبة مروة التي كانت مدخله للحياة العملية، وارتبطت به، وارتبط بها، لم تتأثر بغيابه عنها بسبب مشاغله الجديدة بعد دخوله عالم الصحافة، بل صار لها شأن عظيم، ويعود الفضل في ذلك من بعد الله تعالي إلى ابن عمه وتلميذه النجيب إبننا الحبيب الشيخ عبد الله خليفة، ولا بد أن نذكر معه ساعديه الأيمنين مرتضي، وبت الزومة “مني” وكان لتفويض يوسف المطلق له، وثقته فيه التي لا يجد الشك إليها سبيلا، كانت سببا رئيسا في نجاح مروة الباهر، واستطاع الشيخ أن يخرج بها من عالم الأدوات المكتبية إلى فضاءات الكمبيوتر الرحيبة، وتلك راية شمخت علي يد الراحل الحبيب ابن الحبيب يوسف سيد أحمد خليفة.
سيد أحمد خليفة يرحمه الله ترك لي أمانتين فقط، أوصاني عليهما قبل الرحيل، وفعل ذلك بحياته، “الوطن” و”الأولاد” وكشف لي عادل سرا لم يحدثن به قبل ذلك، فقال أن سيد أحمد عندما هم بالسفر ناداه، وسأله إن كان لديه إعتراض علي اجلاسي في مقعده رئيسا للتحرير، وكان عادل الأقرب لذلك لأنه كان نائبا لرئيس التحرير، وأنه إبنه، فبارك عادل الأمر بقوة، وذكر له ما يجمع بيني وبينه، فسافر سيد أحمد وخلفني في الجريدة وأوصاني علي الأولاد، فلما رحل فجأة يرحمه الله لم أجد مشقة كبيرة في الأمرين، فالذين كانوا يعملون في الصحيفة كلهم أصحابي وأبنائي وتلامذتي، وفي البيت كان الأمر أيسر، فلقد وضعوني جميعا في ذات مقام سيد أحمد الرفيع، الحاجة سكينة، وأشقائه جميعا، أحمد ومساعد وعلي، لهم الرحمة والمغفرة، وأخوانه اولاد الجريف العظماء حيدر والطاهر، والأبناء الثلاثة يوسف وعادل وأمير، فلم أجد مشقة في المهمتين.
رحيل يوسف المفاجئ بعد أن تمدد طولا وعرضا، وبعد تحقيقه نجاحات عظيمة في كل المجالات، وابقائه علي كل الرايات مرفوعة، وتركه كل ذلك في ظروف شائكة جدا ومعقدة، يجعل الأمر عسيرا جدا، ولكنني أثق من بعد الله تعالي في كل من تركهم يوسف خلفه، أبناءه المفجوعين أحمد وعلاء الدين والنوراني وأمهم المكلومة غادة، وشقيقاتهم وأخوانه عادل وأمير، وابن عمه “الشيخ مروة” وناس “الوطن” أشرف، وبت الناجي، وتلفون، وهويدا، وعاطف، والهميم وكسلاوي، ومصطفي، وكل بقية العقد الفريد، أثق انهم سوف يكونون في الموعد ولن يتركوا راية الوطن تسقط بإذن الله تعالي، والرحمة والمغفرة للحبيب يوسف ولكم جميعا حسن العزاء، ولا نقول إلا ما يرضي الله “إنا لله وإنا إليه راجعون”