دستور يا أسيادنا .. بقلم / إبراهيم عيسي هدل
![](https://www.atheernews.net/wp-content/uploads/2025/02/IMG_4207.png?v=1739034779)
يولع السودانيون بكتابة الدساتير والعهود والمواثيق التي تخرقها أطرافها قبل بدء التنفيذ وتعمل على تعديلها مرة تلو أخرى دستور ١٩٥٦م عدل أكثر من مرة وكان آخرها عام ١٩٦٤م، وبالديمقراطية الثانية كُتب دستور ١٩٦٨م الذي مزقه انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩م الأحمر واصفا إياه بالوريقة الصفراء ثم جاءت مايو بدستور ١٩٧٣م الذي منحته صفة الدستور الدائم.
وإثر انتفاضة عام ١٩٨٥م كُتب دستور الفترة الانتقائية الذي جرى تعديله من قبل الجمعية التأسيسية واعترضت على بعض تعديلاته الجبهة الإسلامية القومية حينها إلى أن تم التوافق على تعديلاته، ثم جاءت حكومة الإنقاذ بمراسيم دستورية ثم دستور “التوالي السياسي” الذي أبدعه الدكتور حسن الترابي عام ١٩٩٨م، إلى أن أفضت إتفاقية سلام نيفاشا لدستور عام ٢٠٠٥م الذي حظي بتوافق وإجماع وطني شامل من كافة الأحزاب الموالية لحكومة الانقاذ والمعارضة لها وعلى رأس المعارضين الحركة الشعبية والتجمع الوطني الديمقراطي، وجرى تعديل بعض بنود الدستور إثر انفصال جنوب السودان.
ورغم التوافق الوطني الشامل على دستور ٢٠٠٥م الذي وصفت وثيقة حرياته بأفضل وثيقة إلا أن الأحزاب سارقة الثورات استبعدته بعد التغيير المتحكم به من الخارج والشهير “بثورة ديسمبر ٢٠١٨م” وابتدعت وثيقة دستورية مهلهة وكثيرة الثقوب عدلها أصحابها أكثر من مرة بشهادة د.إبراهيم الأمين القيادي بحزب الأمة القومي وأحد صناع الوثيقة الدستورية التي لا يعلم أي نسخة منها هي النسخة الأساس وكان أول خرق لها هو تعيين الهالك حميدتي نائباً لرئيس مجلس السيادة دون أن ينص على هذا المنصب بالوثيقة الدستورية.
إعلان الجنرال ياسر العطا عن وثيقة دستورية جديدة قابله البعض في تنسيقية تقزم قحت بالاستنكار والاستهجان ونسوا أنهم أول من رمى بالوثيقة الدستورية في مزبلة التاريخ حين مرروا دستور تسيرية نقابة المحامين والاتفاق الاطاري الذي هندسه لهم الحكمدار المطرود من بورتسودان “فولكر بيرتس” وسفراء اللجنة الرباعية ووقع عليه الهمباتي الهالك حميدتي قبل أن يقرأه !!
وعن بواطن سلق دستور تسيرية نقابة المحامين واتفاقية سلام جوبا يسأل الأستاذ/ يحيى الحسين المحامي رئيس حزب البعث السوداني، فهو أعلم بما جرى ويجري من تدخلات لصناعة الحلول المعلبة التي تدس السم في الدسم.
في تقديري لو أخذنا بأي دستور سوداني من دساتير الحكومات الوطنية السابقة لمرحلة الانتقال والتأسيس القادمة ستمضي مرحلة الانتقال بسلام ولكن الإشكالية الكبرى هي أن الأحزاب السياسية والحركات المسلحة تريد دستوراً يفصل على مقاسها من قبل ترزية القوانين والدساتير.
بريطانيا العظمى ليس لديها دستور مكتوب ولكنها تحترم أعرافها وتقاليدها الدستورية الحاكمة، بينما نكتب نحن لكل عهد دستوره ولا يلتزم الجميع بدستورهم الذي كتبته ايديهم وهذه المعضلة المستدامة لا علاج لها إلا عند الأسياد “دستور يا أسيادنا” .
إبراهيم عيسى هدل