خبر وتحليل -عمار العركـي : إفتتاح القنصلية والهيمنة المصرية على السودان
![](https://www.atheernews.net/wp-content/uploads/2025/02/IMG-20241213-WA04471-1-780x444-1.jpg?v=1738930481)
▪️ منذ إعلان افتتاح القنصلية المصرية في وادي حلفا، بدأ البعض بتقديم أحاديث وتحليلات سطحية تثير الشكوك حول النوايا المصرية من وراء هذه الخطوة، معتبرين أنها تمهيد لصفقات إقليمية تشمل السودان وقضايا أخرى. لكن هذه التحليلات، على الرغم من جذورها في فرضيات سياسية محتملة، تفتقر إلى التحليل العميق لواقع العلاقات السودانية – المصرية والتوازنات الإقليمية التي تحكم هذه العلاقات، في هذا المقال التحليلي ، سنتناول تفنيد هذه الادعاءات، مستعرضين الحقائق والتوجهات الفعلية خلف هذه الخطوة الدبلوماسية:
*_القنصلية المصرية في وادي حلفا – خطوة دبلوماسية مشروعة_*
▪️تتمثل فكرة القنصلية المصرية في وادي حلفا في تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والسودان في سياق طبيعي وطويل الأمد من التعاون المشترك ، لا يمكن اختزال فتح القنصلية في هذا الموقع الاستراتيجي في إطار مشروع إقليمي مُعقد يُشكل تهديداً على مصر قبل السُودان ، بل هو جزء من سلسلة تحركات دبلوماسية تُمثل رغبة مصر في تعزيز حضورها الإقليمي في السودان ودعمه في مجالات حيوية مثل المياه والتجارة وحل النزاعات الحدودية.
*_لا يوجد دليل على الصفقة المزعومة_*
▪️التقارير التي تحدثت عن صفقة تشمل ترحيل سكان غزة إلى سيناء أو السودان، على الرغم من أنها قد تبدو مثيرة للجدل، إلا أنها لا تستند إلى معلومات مؤكدة أو تصريحات رسمية من أي من الأطراف المعنية، من غير المنطقي أن تقبل مصر بترحيل سكان غزة إلى السودان، في وقت تسعى فيه لزيادة استقرار سيناء واحتواء القضايا الفلسطينية عبر لحلول السياسية ، لا عبر تحركات ديموغرافية معقدة.
*تهجير الفلسطينين ورفض المصريين_*
▪️مقترح “ترامب” الذي طرحه ولاقي رفضا مصرياً واسعاً، ليس الأول ولن يكون الأخير ضمن سلسلة محاولات بدأت فعلياً فى العام 1953، حين إنطلقت المساعي الإسرائيلية – الأمريكية تهجير الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية ، حيث تم طرح خطط عدة لتوطينهم في سيناء أو الأردن، بدءًا بـ”خطة سيناء” ثم “مشروع الجزيرة” شمال سوريا، و”مشروع جونسون”حول نهر الأردن، وتخطيط “إيجال ألون” عام 1967، وصولًا إلى “صفقة القرن” في ولاية “ترامب” الأولي في العام 2017م. كل هذه المبادرات قوبلت دائمًا برفض مصري وأردني وعربي واضح، وقد تصاعدت هذه المحاولات في فترات مختلفة من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. رغم تجدد هذه المساعي بين الحين والآخر، إلا أنها كانت تواجه مقاومة برفض مصري، ومقاومة من الفلسطينيين والشعوب العربية.
*_فتح القنصلية: أداة للتعاون وليس للهيمنة_*
▪️القنصلية في وادي حلفا ليست مجرد أداة لتعزيز النفوذ المصري، كما تصوّره بعض التحليلات، بل هي منصة لتطوير العلاقات الثنائية وتحقيق مصالح مشتركة بين البلدين في مجالات متنوعة مثل الأمن والطاقة والبنية التحتية. ومن شأن تلك الخطوة تقريب المسافات والإجراءات والإتصالات بين شعبيي الوادي عامة ،خاصة شعوب الولايات الشمالية السُودانية والقبائل الحدودية المشتركة، هذا التواجد الدبلوماسي يعكس رغبة في تعزيز التعاون، لا في “الهيمنة” كما تدعي بعض التحليلات.
*_فتح القنصلية مطلب سوداني قديم تحقق_*
▪️فات علي الأحاديث والتحليلات السطحية أن مطلب إقامة قنصلية عامة مصرية في حلفا بالأساس مطلبًا سودانيًا منذ عشرين عامًا يتجدد كل فترة، حيث كانت مصر ترفض نسبة للعلاقات السياسية المتقلبة مع نظام “الإنقاذ” تلك الفترة ، حيث كان هذا المقترح السوداني بمثابة بديل لمطلب مصر في إقامة قنصلية لها في مدينة الأبيض بشمال كردفان. إضافة إلى ذلك، يعد وجود قنصلية مصرية في حلفا خطوة استراتيجية في إطار ملف الحدود بين البلدين، حيث يُعتبر هذا الوجود بمثابة اعتراف ضمني بسودانية المناطق الحدودية بين البلدين، مما يحد من احتمالية حدوث أي نزاع حدودي في المستقبل. في المقابل، يُعتبر وجود قنصلية سودانية في أسوان إقرارًا ضمنيًا بمصرية تلك المناطق، ما يساهم في منع أي مطالب سودانية مستقبلية بسودانيتها. وهذا يتوافق مع الأبعاد الاستراتيجية للحدود المشتركة بين البلدين ويعزز من التفاهم و التعاون الثنائي.
*_السودان في مواجهة التحديات الإقليمية و تحصين السيادة_*
▪️السودان يواجه تحديات متعددة في سياق الصراعات الإقليمية والدولية، ولكن تلك التحديات لا تعني بالضرورة أن السودان سيكون خاضعًا للنفوذ المصري أو لأي طرف آخر. السودان يمتلك القدرة على تعزيز سيادته الوطنية، بل إن سياسة الحكومة السودانية الحالية، رغم التحديات، تعمل على إعادة ترتيب أوراق البلد داخليًا وخارجيًا. المطلوب الآن هو تعزيز الشراكات القائمة مع القوى الإقليمية والدولية بطريقة تضمن مصلحة السودان أولاً وأخيرًا.
*_مواجهة التحولات الإقليمية بحكمة_*
▪️ المهم بما كان، أن نُشدد على أن التحولات الإقليمية ليست مفروضة على السودان. بدلاً من الرهانات على فرضيات محورية، يجب أن يتم التركيز على بناء السياسات الوطنية التي تحافظ على استقلالية السودان وسيادته. فالتعاون مع جيرانه مثل مصر يجب أن يكون بناءً على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وليس من خلال محاولات إقليمية لاستغلال الوضع.
*_خلاصـة القـول ومنتهـاه_*
▪️الحديث عن “هيمنة مصرية” على السودان من خلال فتح القنصلية في وادي حلفا تمثل مبالغات سياسية غير قائمة على حقائق واضحة. بدلًا من المبالغة في السيناريوهات الافتراضية، يجب على السودان استثمار هذه الفرص لتعزيز سيادته الوطنية من خلال الشراكات المتوازنة. وبهذا، يمكن لسودان اليوم أن يحقق تقدمًا حقيقيًا نحو استقرار أكبر وازدهار أكثر في المستقبل.
▪️أتوقع مزيد من تنامي تحليلات وأحاديث “الهيمنة المصرية” خلال مرحلة النهوض وإعمار ما دمرته الحرب ، وبحسب الواقع ومنطق الأحوال طالما كانت مصر شريكة السودان في مواجهة الحرب و الخراب ، ستكون مصر شريكة فى السلام والتنمية و الإعمار الإقتصادي والسياسي والإجتماعي وهي البئة الصالحة لذاك النمو الضار في ظل غياب المضادات الوقائية التحوطية ،وهو ما يجب الإنتباه إليه وإستباق الوقاية قبل العلاج.