نصيحتي لله … الخرطوم مابعد الحرب “أخطاء يجب أن تراجع” … بقلم الأستاذ أبوبكر الشريف التجاني الشريف

___________
بسم الله به نبتديء، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نقتدي.
*نصيحتي لله* هنالك أخطاء يجب أن تراجع ومفاهيم يجب أن تصحح لإعمار الخرطوم مابعد الحرب، لعل تجد الأذن الواعية من الدولة السودانية الرائدة وإن في ذلك لعبرة لمن يخشى. فمن المعلوم والمتعارف عليه في القوانين والنظم واللوائح التي تنظم العواصم العالمية المتحضرة، والمتفق عليه في تنظيم حياة الحضر، أن العواصم السياسية للدول تمثل الواجهة الحضارية لكل دول العالم، ومن خلالها تعكس مدى تقدمها وتطورها وسلوكها الحضاري.
وهذه العواصم يكون بها مقر السفارات للدول الصديقة، ونافذة العلاقات الخارجية لهذه الدول والهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية. وفوق ذلك بها سيادة الدولة المتمثلة في إقامة السيد الرئيس وكبار رجال حكومته والقصر الرئاسي، وهو أعلى هرم في رمزية الدولة. لذلك جاء من الأهمية بمكان أن تعطي الدول المتحضرة والمتقدمة هذه الرقعة الجغرافية من الدولة الرعاية والاهتمام، لأنه واجهتها التي تعكس من خلالها للعالم ولزوارها وضيوفها الكرام من الهيئات الدبلوماسية والمنظمات العالمية التي اتخذت منها مقراً وتمثيلاً لدولها ومؤسساتها وغيره.
وللأسف الشديد معظم هذه القوانين والنظم واللوائح المتعارف عليها دولياً لم نجدها مفعلة في عاصمتنا الخرطوم. هل نحن في معزل عن العالم؟ هل هذه النظم والقوانين لا تعنينا بشيء في تنظيم عاصمتنا الخرطوم؟ أم هي الفوضى والعشوائية والهجرة المتدفقة بغير حسيب من داخل وخارج السودان، والوجود الأجنبي الغير شرعي المجتريء على أمننا وخدماتنا ولقمة عيشنا، مع سذاجة المواطن الذي لم يجد من يثقفه ويوعيه أن هذا الوجود الأجنبي الغير شرعي الذي يحتضنه هو ينهش من قوت أطفاله الضياع ومستقبلهم المظلم بسبب هذا الوجود الغير شرعي الذي يحتضنه.
وقد طوقت العاصمة بجمهوريات من الهجرة العشوائية من خارج وداخل السودان، وقد مهدت لها سياسة الدولة العمياء بمشروعات للإسكان دون خطط ودراسات علمية وموضوعية حتى أصبحت مهدداً أمنياً للعاصمة. وعندما كان أصحاب الحس الأمني المرهف يتحدثون عن أمن العاصمة وعن الأحزمة التي طوقت العاصمة بمثابة براميل من البارود متى تتفجر على العاصمة، كانت الحكومة تدس رأسها في الرمال متجاهلة ومتغافلة خوفاً وخشية من منظمات المجتمع المدني من إثارة فتنة العنصرية والتهميش والقبلية التي كانت تتربص بها على الدولة شيء في نفس يعقوب.
وكانت الدولة ترى من الحكمة أن لا تحرك ساكناً لتنظيم العاصمة، وهي تعلم علم اليقين أن الذي حول العاصمة لابد يوماً ما أن ينفجر على سكان العاصمة. نعم، الخرطوم عاصمة كل مواطن سوداني أصيل له الحق فيها أن يسكن ويتاجر ويبيع ويشتري ويتعلم ويزورها للترفيه والعلاج؛ ولكن بشرط النظم والقوانين المتعارف عليها دولياً في تنظيم العواصم.
لأن العواصم بها كبار الضيوف والزوار للدول، فعلى الدولة المستضيفة أن توفر لهم كل سبل الراحة لأداء مهام دولهم وعملهم الدبلوماسي. ومن المتعارف عليه أن العواصم ليست للسكن العشوائي، والعواصم ليست للعمل الهامشي، والعواصم ليست مرتعاً للمتسولين والمتسكعين. فعلى الدولة أن تتخذ حقها كاملاً في تنظيم عاصمتها دون تردد.
ومن الملاحظ أن هذه الهجرة العشوائية المتدفقة من داخل وخارج السودان إلى العاصمة الخرطوم فرضت ثقافتها وسلوكها الغير حضاري على العاصمة، أفقدتها خاصيتها وطعمها الحضاري الذي كانت تستمتع به العاصمة في مطلع الستينات. ومن إيجابيات هذه الحرب التي وقعت في الخرطوم، أنها كشفت كثيراً من الأشياء التي كانت غائبة أو الأشياء التي كان مسكوتاً عنها تحسباً من منظمات المجتمع المدني.
ما كان حول العاصمة من الهجرة العشوائية كان تربصاً بالعاصمة، ليس تعايشاً محموداً احتضنته واستضافته العاصمة التي كانت تحسبهم مواطنين أجبرتهم الحياة فيهم متسولين استطعفتهم من دول الجوار وغيرهم؛ ولكن في الحقيقة كان تربصاً ينتظر ساعة الصفر وخنجراً من الغدر مسموماً طُعنت به الخرطوم في خصرها فقد كان، وانفض السامر.
ومن الضرورة بمكان بعد هذه الحرب أن تعيد الدولة السودانية الرائدة النظر في إعادة إعمار وترتيب وتنظيم العاصمة، وجعلها عاصمة حضارية تعكس الوجه الحضاري المشرق للسودان، حتى لا تُلدغ الخرطوم من جحرها مرة ومرتين.
*الرؤية والحلول:*
هنالك بعض الحلول على الدولة أن تتبعها في إعادة إعمار الخرطوم:
أن تضع الخطط والدراسات العلمية والموضوعية وآليات التنفيذ القوية في كيف يتم تفريغ العاصمة وفك الخناق عنها دون تهجير قسري لهذه الهجرة العشوائية، وأن تصبح هجرة عكسية طوعية نحو الولايات بالتنمية الحقيقية.
أن تقوم الدولة بنقل معظم المصانع الموجودة في العاصمة إلى الولايات أو بناء مجمعات صناعية خارج العاصمة بمسافات تبعد حوالي مائتي كيلومتر من العاصمة.
ثم تقوم بتجفيف معظم الكليات والجامعات بالعاصمة بفتح فروع لها بالولايات، وأيضاً تقوم بتجفيف معظم المدارس الخاصة التي قد تكون سبباً لهجرة معظم الأسر للعاصمة للبحث عن التعليم النوعي.
أن تهتم الدولة بالتنمية في الولايات، وتجعل الحياة فيها جاذبة بإنشاء الخدمات التعليمية والصحية والمنتجعات السياحية ومدن الألعاب والأندية الرياضية والثقافية، وإنشاء المدن الصناعية والمشروعات الزراعية والاستثمارية لتشغيل الشباب في الولايات.
وبعد أن تثبت الدولة التنمية الحقيقية سوف تحدث الهجرة العكسية. ثم تتجه الدولة لتنظيم العاصمة بإنشاء مدن جديدة داخل الخرطوم بمواصفات عالية الجودة وبمسميات جديدة مثل “مدينة الخرطوم الجديدة” وغيره من المسميات المعبرة عن النهضة والإعمار.
أن تقوم الدولة بتنظيم الأسواق داخل العاصمة بفتح أسواق بمواصفات عالمية تعكس الوجه الحضاري للعاصمة وتمنع العمل الهامشي بالعاصمة، برفع مستوى الدخل للفرد في العاصمة.
*وفي الختام*
كلنا أمل وثقة أن تعطي الدولة السودانية الرائدة ما أشرنا إليه من رعاية واهتمام.

*الله المستعان، والسلام على من اتبع الهدى.*

مقالات ذات صلة