خبر و تحليل – عمار العركي :رفقًا بالعائدين.. لا تجعلوا نازحي الحرب مهربين !

▪️سأقوم بتحليل التوضيح الصحفي الصادر عن إعلام الجمارك، باعتباره “خبرًا إعلاميًا” وليس “بيانًا رسميًا” يعبر عن قيادة الجمارك. فالتوضيح، بصياغته الصحفية ، جاء باهتًا ومشوشًا ومثيرًا للجدل الموضوعي ، إذ صوَّر العائدين من التهجير القسري كأنهم مغتربون قرروا العودة طوعًا إلى الوطن، مستفيدين من تسهيلات جمركية، وليس كلاجئين ونازحين اضطروا إلى الفرار من جحيم الحرب.

*_أين الإنصاف في التوضيح_ ؟*

▪️هذه الرواية الإعلامية تتجاهل حقيقة جوهرية: أن العائدون ليسوا مغتربين عادوا بعد سنوات من العمل في الخارج، بل هم ضحايا حرب أجبرتهم الظروف القاسية على مغادرة السودان، ثم وجدوا أنفسهم يعودون بعد تجربة اللجوء، في ظل أوضاع اقتصادية وإنسانية صعبة.إن تجاهل هذه الخلفية في الخطاب الجمركي يؤدي إلى خلل جوهري في طرح القضية، حيث يتم التعامل مع العائدين وفق معايير الهجرة الطوعية الإعتيادية، متجاهلين أن عودتهم لم تكن اختيارية، بل كانت مدفوعة بظروف قاهرة. بل إن هذه العودة، في كثير من الحالات، تمت عبر حملات ترحيل قسري لمخالفتهم الهجرية، لدرجة أن بعضهم اضطر إلى اللجوء لسلطات بلد اللجؤ والنزوح والتشرد لترحيلهم وإبعادهم الي بلادهم المنهكة ومنتهكة بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف العودة ، ولا على البقاء عالة.وعبء اكثر على وان إرتضي وأكرم .

*_تطمينات شكلية دون ضمانات فعلية_*

▪️يركز التوضيح الصحفي على نفي وجود أي رسوم جمركية على العائدين، مستندًا إلى المادة (54)(1)(أ) التي تعفي أمتعة المسافرين. لكنه لا يحدد بوضوح الفئات المشمولة بالإعفاء، ولا يعرض قائمة واضحة بالمواد المعفاة، مما يترك العائدين في حالة ارتباك أمام الإجراءات الجمركية.
كما ينفي مدير جمارك وادي حلفا تلقي أي شكاوى رسمية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تم توفير آلية واضحة وفعالة لاستقبال هذه الشكاوى؟ و كيف يمكن للنازحين، الذين يعانون أصلاً من ظروف صعبة، أن يوصلوا صوتهم في ظل غياب قنوات تظلم حقيقية؟ إن غياب الشكاوى لا يعني عدم وجود مظالم، بل قد يكون انعكاسًا لضعف آليات التواصل والإنصاف.

*_شبح التهريب.. أداة للترهيب والردع المعنوي_ .*

▪️أحد أكثر الجوانب المثيرة للجدل في التوضيح هو إقحام قضية “التهريب” في سياق الحديث عن العائدين، دون الاستدلال بضبطيات تستدعي هذا الطرح. فالخطاب الجمركي يلمح إلى وجود محاولات تمرير بضائع بكميات تجارية “استغلالًا لظروف القادمين”، لكن دون تقديم أي إحصائيات أو أمثلة واضح.
▪️السؤال الأهم هنا: لماذا يتم تصوير العائدين وكأنهم متهمون محتملون؟ ولماذا يتم التلويح بإجراءات ردعية في الوقت الذي يُفترض فيه طمأنتهم؟ وإذا كانت الجمارك تمتلك “الخبرة الكافية” في التمييز بين العفش الشخصي والبضائع التجارية، فأين تلك الخبرة في ضبط عمليات التهريب عبر الحدود الشرقية والغربية، حيث تمر شحنات ضخمة من السلع الممنوعة والبشر دون حسيب أو رقيب؟
إن الزج بفكرة التهريب هنا ليس مجرد توضيح للإجراءات ، بل يحمل بعدًا ردعيًا معنويًا، وكأنه رسالة تحذيرية للعائدين مفادها: “نحن نراقبكم، وأي محاولة لإدخال ممتلكاتكم قد تضعكم في موضع المساءلة”.
▪️لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن هؤلاء العائدين يرون، عبر مقاطع الفيديو المتداولة، كيف يتم تهريب ممتلكاتهم الحقيقية من قبل المليشيات، بما في ذلك سياراتهم وأثاثهم التي جمعوها بعد سنوات من الكدح، بينما مكافحة التهريب الجمركي تقف عاجزة عن التصدي لهذه العمليات الواضحة و المفضوحة.
،فهل الجمارك عاجزة عن إيقاف تهريب المليشيات؟، لكنها قادرة ومستعدة على نازحين فقدوا كل شيء؟

*_نحو خطاب أكثر إنصافًا وواقعية_*

▪️إذا كانت الجمارك حريصة على كسب ثقة العائدين، فإن المطلوب ليس بيانات إعلامية تركز على النفي والتبرير، بل إجراءات واضحة وعملية تشمل:
* إصدار قائمة رسمية ومعلنة بالممتلكات المعفاة من الرسوم، بما في ذلك الأجهزة المنزلية والسيارات الشخصية، لتجنب الالتباس.
* إنشاء آلية شكاوى شفافة وفعالة، تتيح للعائدين تقديم تظلماتهم عبر وسائل اتصال متاحة وسريعة.
* الكف عن توظيف خطاب التهريب في غير موضعه، فالنازح الذي يحاول إدخال ثلاجته ليس في ذات الفئة مع شبكات التهريب المنظمة التي تتحرك بعلم الجميع.
توضيح الإجراءات ببيانات حقيقية حول عدد الحالات التي تم ضبطها ضمن العائدين، مع إبراز الفرق بين محاولة التهريب الفعلية وبين الحالات التي يتم تصنيفها بشكل غير دقيق ضمن “البضائع التجارية”.

*_خلاصة القــول ومنتهــاه_*

▪️يا إعلام الجمارك، توضيحكم هذا، يحتاج لتوضيح ، بما أثاره من تشويش وتساؤلات، مقدَّماً صورة غير دقيقة عن العائدين، وكأنهم مغتربون يحملون أطنانًا من السلع، وليسوا نازحين فقدوا ديارهم بسبب الحرب. هؤلاء النازحون الذين رأوا ممتلكاتهم تُنهب أمام أعينهم، لا يستحقون أن يواجهوا معاملة تشكك في نواياهم، أو تُقحمهم ضمن خطاب التهريب وكأنهم مجرمون محتملون.
فرفقًا بالعائدين، فهم ليسوا مهربين!

مقالات ذات صلة