من أعلى المنصة .. ياسر الفادني : جمهورية الجنجويد الدقلوقراطية قراءة تحت السطور

في عالم موازٍ، حيث تتشكل الدول من رحم الميليشيات، تنشأ جمهورية الجنجويد الدقلوقراطية ككيان سياسي فريد، يجمع بين القوة العسكرية والانتماءات القبلية، متدثرًا بغطاء ديمقراطي زائف يخفي تحته قبضة حديدية لا ترحم ، في هذه الجمهورية، تصبح السلطة امتدادًا لقوة السلاح، ويغدو الولاء المطلق للقيادة الحاكمة هو المعيار الوحيد للمواطنة الصالحة

في المشهد السياسي لا وجود لأحزاب بالمعنى التقليدي، تتحول الفصائل المسلحة إلى كيانات سياسية كل منها يسعى لفرض رؤيته من خلال تحالفات عابرة للمصالح، يتم تنظيم الانتخابات وفق نمط خاص، حيث يُضمن الفوز لمن يملك القدرة الأكبر على الحشد والتعبئة القسرية بينما يتراجع مفهوم الإرادة الشعبية لصالح إرادة القادة الميدانيين المؤسسات المدنية تأخذ طابعًا شكليًا، تصبح الوزارات إمتدادات للمجالس العسكرية ويتحول الإعلام إلى أداة تبرير وتمجيد مستمر وتطبيل

الإقتصاد في هذه الجمهورية يتحرك وفق منطق الغنائم حيث لا وجود لاقتصاد إنتاجي مستقر بل تتحكم في الأسواق شبكات النفوذ التي تفرض الضرائب القسرية على السكان بينما تزدهر التجارة غير المشروعة من تهريب الذهب والموارد الطبيعية إلى إستغلال العمالة القسرية الأرض ملك لمن يفرض سيطرته عليها والعدالة خاضعة لمزاج القادة حيث تُفض النزاعات بالقوة لا بالقانون وتنعدم الجودية والمصالحات

المجتمع يعيش في ظل انقسامات حادة حيث يُصنف الأفراد بناءًا على انتماءاتهم القبلية والعرقية ويُحدد مدى حصولهم على الحقوق وفقًا لمستوى ولائهم ، يبرز التعليم كأداة تعبئة أكثر من كونه وسيلة للنهضة حيث تُدرَّس أيديولوجيات تمجيد السلطة العسكرية وادبياتها المصنوعة ، بينما يُقصى كل فكر نقدي أو مستقل في الوقت ذاته، تُدار الحياة اليومية وفق نمط يُشجع على عسكرة المجتمع حيث يصبح حمل السلاح تقليدًا اجتماعيًا يُلقَّن للصغار منذ نعومة أظفارهم.

على الصعيد الخارجي، تتبنى الجمهورية نهجًا براغماتيًا يتأرجح بين التحالفات المرحلية والعداوات المتغيرة تُستخدم مواردها كورقة مساومة وتوظَّف الميليشيات كأداة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية ، المجتمع الدولي يتعامل معها بحذر، يدينها علنًا ويتفاوض معها سرًا، فهي كيان يصعب تجاهله رغم طبيعته غير المستقرة.

إني من منصتي اتخيل كيف كانت تكون جمهورية الجنجويد الدقلوقراطية ، تلك الدولة القائمة على قوة السلاح ومنطق السيطرة حيث يُعاد تعريف الديمقراطية لتصبح مجرد غطاء يحجب واقعًا تحكمه المصالح العسكرية والقبلية هي حتما سوف تكون دولة بلا مؤسسات فعلية بل شبكة من الولاءات المتغيرة حيث تبقى السلطة رهينة لمن يستطيع فرض نفوذه في ساحة لا تعرف إلا لغة القوة ، والحمد لله الذي صرف عنا قوما ظالمين.

مقالات ذات صلة