عمـار العركـي يكتب: سلفـاكيـر فـي أبـوظبــي : وصفة علاج طبي أم صفقة تآمر حربي ؟
في تطور لافت، غادر رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت إلى الإمارات في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، وسط تكهنات واسعة حول طبيعة أهدافها الحقيقية. وبينما أشارت الصحافة الخليجية والجنوب سودانية إلى أن الزيارة ذات طابع طبي تتعلق بتلقي العلاج في أبوظبي، تتحدث الأوساط الصحفية السودانية والمتابعين عن صفقة ضخمة بين جوبا وأبوظبي لشراء النفط في باطن الأرض لمدة عشرين عامًا بقيمة تناهز 12 مليار دولار، وبأسعار تقل كثيرًا عن المعدلات العالمية.
الزيارة تفتح باب تساؤلات عديدة حول طبيعة أهدافها الحقيقية، و دوافع الإمارات وتوقيتها، وتأثيراتها على السودان، خاصة في ظل الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب في جوبا، وما يواجهه السودان من تحديات إقليمية معقدة. هل جاءت الزيارة في سياق البحث عن حلول اقتصادية وإنقاذ جنوب السودان من أزماته المالية، أم أنها تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية تتجاوز البعد الاقتصادي إلى الترتيبات الأمنية والسياسية؟
▪️زيارة طبية أم صفقة استراتيجية؟
رغم الإعلان الرسمي عن أن الزيارة ذات طابع طبي، إلا أن التوقيت والسياقات المحيطة بها تثير تساؤلات حول وجود أجندة أوسع. فالحديث عن ترتيبات اقتصادية أو اتفاقيات استثمارية كبرى يجعل من المرجح أن الزيارة تتجاوز حدود الاستشفاء إلى اتفاق استراتيجي متشعب المصالح. السودان معنيٌّ بهذه التحولات، ليس فقط لأن جنوب السودان لا يزال يعتمد على الخرطوم في تصدير نفطه، ولكن أيضًا لأن أي اتفاق جديد قد يحمل تداعيات مباشرة على علاقات البلدين وتوازناتهما الإقليمية.
▪️السياق السياسي والإقليمي للصفقة
تأتي هذه التطورات بعد أيام من لقاء السفير السوداني بوزير خارجية جنوب السودان، حيث سلطت الخرطوم الضوء على دعم جوبا للمليشيات المتمردة، ما أدى إلى تصاعد التوتر بين البلدين. وفي هذا الإطار، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت الصفقة النفطية جزءًا من تحركات أوسع تهدف إلى تعزيز قدرات جوبا السياسية والاقتصادية، بما يمكنها من المضي في سياساتها تجاه السودان دون ضغوط مالية. فمن المتوقع أن توفر الأموال الإماراتية متنفسًا اقتصاديًا لحكومة جنوب السودان، مما يقلل من احتمالية تقديمها تنازلات تُرضي الخرطوم، ويمنحها هامشًا أوسع للمناورة السياسية.
▪️الدوافع الإماراتية وأهدافها الاستراتيجية
لا يمكن فصل هذه الصفقة عن الاستراتيجية الإماراتية في السودان ومنطقةوالقرن الإفريقي ، حيث تسعى أبوظبي إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي عبر الاستثمار في موارد في المواتئ والطاقة والبنية التحتية. ومن خلال تأمين عقود طويلة الأمد لإيجار المواني ولشراء النفط بأسعار منخفضة، تضمن الإمارات سيطرتها على قطاع الطاقة في جنوب السودان، بما يمنحها موقعًا متميزًا في أسواق النفط الإقليمية. كما أن امتلاك حق إعادة بيع النفط دون الحاجة إلى موافقة جوبا، يضع الإمارات في موقع اللاعب الرئيسي في إعادة توجيه صادرات النفط الجنوب سوداني، وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على السودان، الذي يعتمد جزئيًا على رسوم عبور النفط عبر أراضيه. وإلى جانب ذلك، يثار تساؤل حول ما إذا كانت هذه الصفقة تحمل أبعادًا تتعلق بدعم غير مباشر للمليشيات المتمردة في السودان، عبر توفير سيولة مالية لحكومة جوبا قد تستخدم في تمويل عمليات عسكرية أو لوجستية ضد الخرطوم.
■ التداعيات المحتملة على السودان
تضع هذه الصفقة السودان أمام تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، حيث تسهم في إضعاف الورقة الاقتصادية للخرطوم التي كانت تراهن على تراجع عائدات النفط الجنوب سوداني للضغط على جوبا لتغيير مواقفها. وفي ظل هذه الصفقة، تصبح جوبا أقل تأثرًا بأي إجراءات اقتصادية سودانية، مما يحدّ من قدرة الخرطوم على فرض شروط أكثر صرامة في ملف أي تسويات سياسية أو قانونية ضد الإمارات. ويفتح الباب أما المساومات والتنازلات، الحديث عن خطط لإنشاء خط أنابيب جديد يربط جنوب السودان بموانئ أخرى بعيدًا عن الأراضي السودانية، يشير إلى أدوات الضغط والخنق، ومع دخول الإمارات كلاعب رئيسي في المعادلة النفطية بجنوب السودان، تتعزز موطيء القدم الإماراتية في محيط في السودان، سواء عبر تعبئة جوبا ضد الخرطوم أو من خلال تحركات إقليمية لذات الغرض ، إضافة إلى إعادة تشكيل النفوذ الإماراتي في المنطقة ككل.
▪️خيارات السودان للتعامل مع الصفقة وتداعياتها
تفرض هذه المستجدات على السودان ضرورة تبني مقاربة استراتيجية تتناسب مع خطورة التحديات المطروحة. فمن ناحية، يجب تصعيد التحركات الدبلوماسية ضد الدور الإماراتي في دعم جوبا، ونقل هذا الملف إلى المنظمات الإقليمية والدولية لفضح التدخلات التي تضر بمصالح السودان. كما أن تعزيز الموقف التفاوضي فيما يخص رسوم عبور النفط، واستغلال اعتماد جنوب السودان على الأنابيب السودانية في ظل الدراسات الإقتصادية السابقة بعدم الجدوي الإقتصادية البالغة التكلفة والخاسرة لإقامة خطوط أنابيب بديلة مع دول الجوار الجنوبي ، مما يمثل ورقة ضغط يمكن للخرطوم استخدامها لإعادة ضبط معادلة المصالح بين البلدين . وعلى المستوى الإقليمي، يصبح البحث عن شراكات وتحالفات مع قوى مؤثرة قادرة على موازنة النفوذ الإماراتي في جنوب السودان أمرًا بالغ الأهمية، خصوصًا مع الأطراف التي لها مصالح مباشرة في استقرار السودان.
▪️خلاصـة القـول ومنتهـاه
زيارة سلفاكير إلى الإمارات ليست مجرد زيارة طبية عابرة، بل تبدو جزءًا من تحولات استراتيجية قد يكون لها تأثير عميق على مستقبل العلاقة بين السودان وجنوب السودان. وبما أن السودان ليس مجرد متفرج على هذه التحولات، فإن عليه التحرك بفاعلية لضمان أن أي اتفاق يتم التوصل إليه لا يكون على حساب مصالحه.
تحمل زيارة سلفاكير إلى الإمارات أبعادًا تتجاوز الجانب الصحي المعلن، لتكشف عن تحولات استراتيجية في المشهد الإقليمي، حيث تسعى الإمارات إلى تعزيز نفوذها في جنوب السودان عبر السيطرة على قطاع النفط، بينما تمنح جوبا قوة اقتصادية تعزز موقفها في مواجهة الخرطوم. وفي ظل هذه التطورات، يصبح السودان مطالبًا بالتحرك العاجل لحماية مصالحه، سواء من خلال تفعيل أوراق الضغط الاقتصادية، أو عبر تحركات دبلوماسية تهدف إلى تقليل الأضرار المحتملة، مع الاستعداد لمواجهة أي ترتيبات سياسية أو اقتصادية قد تؤثر على استقراره في المستقبل