خبر-وتحليل .. عمار العركي : الإنتصارات العسكرية والتحركات الدبلوماسية … ماذا ما بعد ؟

▪️في ظل التطورات العسكرية والدبلوماسية الأخيرة في السودان، برزت العديد من التحركات الإقليمية والدولية التي تشير إلى محاولات لإعادة ترتيب المواقف تجاه الحرب السودانية وفقًا لتوجهات جديدة. حيث جاءت زيارة خليفة حفتر إلى القاهرة في إطار تسليط الضوء على الدور الإقليمي لدول الجوار في سياق دعم الحرب التي تشهدها البلاد. كما أعقبت زيارة الرئيس الكيني ويليام روتو لمصر مشاورات حول التحديات الأمنية والسياسية المرتبطة بالوضع السوداني، مع تحركات أخرى تظهر تحولات في سياسة الدول تجاه السودان.
وفي هذا السياق، تزامنًا مع زيارة وزير الخارجية المصري للسودان، التي حملت رسائل واضحة حول الموقف المصري من الحرب ، تبعها تحرك دبلوماسي سوداني تمثل في زيارة وزير الخارجية السوداني إلى كينيا، والتي أفضت إلى تقاربات وتفاهمات جديدة تعكس ديناميكية التحركات السودانية على الصعيد الإقليمي. ويُلاحظ أن هذه التحركات تترافق مع التقدمات والإنتصارات الإستراتيجية العسكرية للجيش ، وهو ما يمكن أن يغيرفي كل مسارات واتجاهات الحرب.
▪️ *_الدور المصري والتوازنات الإقليمية_*
مصر، التي دعمت الجيش منذ البداية ، تجد نفسها أمام معادلة معقدة؛ فمن جهة، يمثل استقرار السودان أولوية قصوى لها، ومن جهة أخرى، هناك ضغوط إقليمية ودولية تتعلق بترتيبات مستقبلية قد تشمل دارفور. زيارة حفتر لمصر تثير تساؤلات حول طبيعة العلاقات بين الطرفين، خاصة في ظل الحديث عن دور حفتر في تقديم دعم لوجستي للمليشيا عبر ليبيا، وهو ما أشار إليه تقرير ” ميدل إيست آي” لكن في المقابل، أي تغير في الموقف المصري تجاه الحرب يجب أن يُقرأ ضمن سياق استراتيجيات القاهرة طويلة المدى، والتي تستبعد أي تعامل أو مستقبل للمليشيا على حدودها الجنوبية.
▪️ *_كينيا والتدخل الإقليمي_*
كينيا، التي تخلت عن دعمها للمليشيا وجناحها السياسي ، كما ان العلاقة الوثيقة بين الرئيس الكيني وقيادة المليشيا، إلى جانب دعم نيروبي لاستضافة قادة المليشيا، أثارت استياء وغضب الخرطوم ، تسعي للعودة و للتموضع في المشهد ، خصوصًا أنها تقود اللجنة الرباعية في “الايغاد” ومع ذلك، يبدو أن التحركات الأخيرة تعكس محاولات كينية لإعادة ضبط العلاقة مع السودان في ضوء التطورات العسكرية لصالح الجيش.
▪️ *_الفاشر : البعد الاستراتيجي ومحاولات التقسيم_*
محاولات اسقاط الفاشر لتحويل دارفور إلى منطقة حكم ذاتي تحت سيطرة المليشيا تمهيدا لفصلها تظل قائمة، لكن السيناريو الواقعي أكثر تعقيدًا، فبالإضافة إلى إستمرار الدعم الإماراتي والتشادي، مع تعبئة وتغذية الصراعات العرقية داخل دارفور بين المكونات العربية وغير العربية، هناك أيضًا تنافس دولي على النفوذ في الإقليم. إذا تحقق سيناريو إسقاط الفاشر، فإن التداعيات الإقليمية ستكون خطيرة، خاصة بالنسبة لدول مثل تشاد وليبيا، التي ستواجه تدفقات لاجئين ومخاطر أمنية متزايدة.
▪️ *_السيناريوهات المتوقعة_*
تترقب الأطراف الإقليمية والدولية تطورات الحرب ، ويتوقع العديد من المحللين حدوث عدد من السيناريوهات المحتملة بناءً على التحركات العسكرية والدبلوماسية الأخيرة. من بين هذه السيناريوهات:
▪️ *_السيناريوالأول_ :* انتصار الجيش وحسم الحرب
يشير التقدم العسكري الذي فرضه الجيش على الأرض، خاصة بعد الانسحابات والهروب والتسليم للمليشيا ، إلى إمكانية حسم الحرب عسكريًا لصالح الجيش. في حال تحقق هذا السيناريو، قد يشهد السودان استقرارًا في ، رغم استمرار التحديات المتعلقة بالسلام الشامل وإعادة الإعمار. هذا السيناريو يُعد الأكثر واقعية في ظل الضغوط العسكرية على المليشيا ودعم مصر للجيش وتحييد كينيا مع توقع التأثيرالإيجابي للدولتين علي دول جوار السودان والإقليم، ودوليا لابد قراءة ذلك مع التوجهات الإيجابية الأخيرة لمجلس الأمن الدولي تجاه الضغط علي المليشيا والدول الداعمة لها وتحريك مسألة حظر السلاح في دارفور.
▪️ *_السيناريو الثاني_* إستمرار الحرب
وفي هذا السيناريو، قد تستمر الحرب لفترة أطول، ويُحتمل أن تتوسع المليشيا في بعض مناطق دارفور، أو تحاول إعادة التموضع في مناطق سيطرتها هناك، مما يؤدي إلى تصعيد وعدم إستقرار في ولايات دارفور مقارنة بولايات الوسط ، هذا السيناريو يمكن أن يؤثر على الاستقرار الداخلي للسودان ويزيد من تعقيد المشهد المحلي ة الإقليمي. بالرغم من ذلك، ستكون هناك تدحلات حارجية يقابلها تحركات دولية في محاولة الحل ، لكن دون نتائج حاسمة في الأمد القريب.
▪️ *_السيناريو الثالث_* مفاوضات دبلوماسية و تسوية سياسية
هذا السيناريو يعتمد على إمكانية التوصل إلى حل سياسي يشمل جميع الأطراف المعنية في الحرب. يشير التحرك الدبلوماسي السوداني والمصري إلى إمكانية وجود تفاهمات على المستوى الإقليمي قد تفضي إلى وقف القتال و التوصل إلى اتفاق سياسي يقضي بتشكيل حكومة انتقالية. هذا السيناريو يحتاج إلى توافق إقليمي ودولي، بالإضافة إلى استعداد جميع الأطراف السودانية لتقديم التنازلات اللازمة.
▪️ *_يبقى السيناريو الأول_* الأكثر ترجيحًا في التحقق. ذلك لأن تطورات الضغط والحسم العسكري الذي يفرضها الجيش على المليشيا قد يعجل بتغيير توازن القوى، مما يتيح الفرصة لتحقيق تسوية دبلوماسية تستند إلى التحركات الإقليمية الأخيرة، كذلك تقدم الجيش ونجاحه في تحقيق مكاسب ميدانية يعزز من فرص حدوث تسوية سياسية وفق شروطه.
▪️ *_خلاصة القـول ومنتهـاه_*
تطورات الحرب السودانية لم تعد محصورة في الداخل، بل باتت جزءًا من معادلة إقليمية ودولية معقدة. زيارة حفتر وروتو للقاهرة قد تعكس تحركات لإعادة ترتيب الأوضاع وفق رؤية إقليمية ودولية، لكن المؤكد أن أي حل عسكري أو سياسي للحرب السودانية سيظل مرهونًا بموقف الجيش السوداني واستراتيجية الخرطوم في التعامل مع محيطها الإقليمي.

مقالات ذات صلة