حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : السواقة..
في لقاء السيد وزير المالية د. جبريل ابراهيم مع الصحفيين بالقاهرة أمس الأول.. ردد أكثر من مرة أن بريطانيا تتآمر على السودان.. وبصراحة لم أستطع فهم طبيعة وأسباب هذا التآمر، ومن بريطانيا تحديداً.. ماهي مشكلة بريطانيا معنا؟
قاطعته أثناء حديثه وسألته: لماذا بريطانيا بالتحديد تحيك المؤامرات ضد السودان؟
رد: لأنها حاملة القلم..
قلت له : نعلم أنها حاملة القلم.. لكن ما مصلحتها في التآمر على السودان؟ لماذا بالتحديد بريطانيا التي تتآمر ضد السودان من بين كل دول العالم؟
يبدو أن السيد الوزير لم يكن جاهزا لمثل هذا السؤال.. رغم أنه ردد اتهامه لبريطانيا أكثر من مرة في لقاءات سابقة كثيرة.. وفي هذا اللقاء أيضا.. وكان في ظني أن لديه حجة مؤكدة لا تقبل الجدال طالما هو مصر على هذا الاتهام.
فكر الوزير قليلا ثم رد.. لأنها ضد الاسلام..
سكت قليلا ويبدو أنه وجدها حجة غير مناسبة..
ثم واصل: هي تتآمر نيابة عن دول أوروبية أخرى..
سكت قليلاً .. ويبدو أنه أيضا وجدها حجة أخرى غير مقنعة.. فواصل القفز للأمام..
قال: هو مخطط يهودي لتدمير السودان..
في تلك اللحظة – و أقولها صريحة- خشيت إن تابعت أسئلتي أن يقفز للمربع الأخير.. فيتهم الماسونية العالمية.. فهي آخر متكأ مجاني قابل للاتهام دون أن يخشى صدور بيان من جهة احتجاجاً على الاتهام.
لماذا تستهدف بريطانيا الاسلام؟
ولماذا تستهدف السودان في سياق استهدافها للإسلام؟
ماهي علاقة الإسلام بالسودان؟
زمان في زمن حكم الانقاذ كانت مثل هذه الحجة المعلبة جاهزة تماماً بافتراض أن النظام صاحب العلامة السياسية للاسلام.. وكل من تسول له نفسه بإنتقاد أو الهجوم على النظام في السودان فهو ضد و يستهدف الاسلام..
لكن الآن.. وبافتراض أن الحكم الراهن هو من سلالة الثورة التي أطاحت بنظام الانقاذ.. ما علاقة هذا النظام الآن بالإسلام لكي تستهدفه بريطانيا التي تضمر بتآمرها عليه ضرب الاسلام؟
أدرك أن السيد وزير المالية لم يستخر قبل الأجوبة على سؤالي .. لكني جد محتار في أن تتبنى دولة اتهامات مكررة ضد دولة أخرى.. وتبني على ذلك سياسات و خطاب عام.. دون مراجعة حيثيات هذه الاتهام على الأقل للتأكد من صلاحيتها للعرض أمام الاعلام.. وتماسكها في محك الموضوعية..
من الحكمة أن تكون لنا دولة مؤسسات تنتج سياستها وفق عقل مؤسسي بصير.. قادر على النظر في الحيثيات التي تدعم القرار قبل اتخاذه ثم التمسك به..
موضوع بريطانيا محير للغاية.. ليس الدكتور جبريل وحده.. لا يمضي شهر إلا ونسمع من قيادات عليا حكاية تآمر بريطانيا على السودان.. دون ابراز الحيثيات المنطقية لاثبات ذلك..
وفي آخر المطاف يكشف لنا الوزير أن مشكلة بريطانيا مع السودان هي في الاسلام..
هل معنى ذلك أن الحركة الاسلامية هي التي تحكم السودان الآن؟