هنا أم درمان …… بقلم / د. عبدالعظيم عوض

لايمكن أن نتذكر إستقلال السودان ، ولا نذكر الدور الكبير الذي لعبته إذاعة أم درمان في سبيل تلك الغاية المجيدة ، الإذاعة التي أحالها الاوباش من مليشيا آل دقلو الي أكوام من حريق وبقايا بنايات متناثرة ، ولم يكن ذلك صدفةً بل كان عدوانا ممنهجا تم التخطيط له بغرض هدم ما اسموه دولة ٥٦ !
ورغم أن الإذاعة انشأها المستعمر في العام ١٩٤٠ لخدمةبريطانيا وحلفائها في الحرب الكونية الثانية ، الا أنها ظلت علي الدوام حين إستوى عودها وانتقلت من مباني بوستة ام درمان الي منزل جوار بيت الأمانة، ثم مقرها الحالي في العام ٥٧ ، ظلت تعمل علي بث الشعور القومي للأمة السودانية عبر مختلف القوالب البرامجية والاغنية والتمثيلية والانشاد الشعري الرصين ، بل حتى تلاوة القرآن الكريم كان يأتيك كل صباح بنهكة سودانية بصوت الراحل الشيخ عوض عمر الامام معبّراً عن تديِّنٍ فطري جُبل عليه السودانيون منذ أن كانوا وكان السودان .
كانت الإذاعة والاعلام عموما تخضع لإدارة جهاز المخابرات البريطاني فيما عُرف حينها بمكتب الاتصال العام ، ومع ذلك كان القائمون علي أمرها كثيرا ما عمِلوا علي بث مواد وطنية ، خاصة الشعر والغناء الوطني ، مما كان له تأثير بالغ علي معاني الاستقلال والوحدة الوطنية التي تبلورت لاحقا في البث الحي المباشر لاحتفال الاستقلال الذي نقلته الإذاعة من ساحة القصر الجمهوري في أول يناير عام ١٩٥٦ ، بصوت علي شمو وابوعاقلة يوسف ومن خلفهما المهندس البارع علي عبدالقادر وزملاؤه من المساعدين الفنيين .
وما زالت إذاعة ام درمان تعمل علي تنبيه السودانيين بهذه الذكرى العطرة ، من خلال الاناشيد الوطنية التي رسخت في وجدانهم مثل أنشودة الشاعر العظيم عبدالواحد عبدالله [اليوم نرفع راية استقلالنا ] التي أحالها وردي الي أهزوجة وطنية تتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل بفضل الإذاعة .
وعبدالواحد لمن لا يعرفه من هذا الجيل ، هو من وطنيي جيل الوسط الذين درسوا في حنتوب ثم جامعة الخرطوم ، وكتب هذه القصيدة وهو طالب بالجامعة في العام ١٩٦٠ علي أثر الإعلان عن مسابقة لافضل قصيدة تمجّد ذكرى الاستقلال ، فكانت هذه الأغنية الماجدة الخالدة خلود الاستقلال ذاته ، ويعرف جيله عنه أن إيمانه بأهمية الفنون في المجتمع قاده ذات يوم الي إنشاء منظومة إخوان الصفا مع الحسين الحسن والكابلي وآخرين .. رحم الله الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف الخبير التربوي العالِم الذي ظل متنقلا بين عواصم الدنيا سنواتٍ طويلة خبيرا في منظمة اليونسكو ، قبل أن يحطّ رحالَه أخيرا وسط اهله بالقضارف ويتوفي هناك قبل خمسة أعوام ، بعد أن كرمته الدولة بما يستحق من اوسمة علي يد الرئيس السابق عمر البشير ..
بقي ان اقول أنه مهما تكاثرت وسائط الإعلام في السنوات الأخيرة تبقى لإذاعة ام درمان خصوصيتها وسط السودانيين ، فصوتها كان له قصَبُ السبق في نهضة الأمة السودانية وتوحيد وجدانها نحو القيّم العليا ، آملا أن نبدأ الان إعادة بنائها في ذات مكانها في أمدرمان هنا أمدرمان .
د.عبدالعظيم عوض ،،،،

مقالات ذات صلة