في الرد علي المعاتبين .. بقلم / د. عبدالعظيم عوض

اكثر من رسالة عتاب وردت اليّ من اصدقاء لما اوردته هنا الاسبوع الماضي حول أحداث ١٩ ديسمبر قبل خمس سنوات والتي ذكرتُ فيها انها كانت الشرارة الاولي للحرب المُدمّرة التي يكتوي بنيرانها الوطن الآن ، ولم تكن ثورة بالمفاهيم المتعارف عليها في معاجم السياسة والتاريخ بدليل ما نعيشه الان في ظل واقع بائس بات فيه الناس يتذكرون بأسى وحسرة حالهم قبل ذلك التاريخ وخيبة الأمل الكبرى التي يعيشونها الان بين تشردٍ ونزوحٍ ولجوء .
اقول لهؤلاء المشفقين، لا خلاف في أن مئات الالاف من الشباب والشابات خرجوا في مسيرات مليونية فعلا لا قولا ، لكن في ظل هذا الحراك الثوري الهادر ، كان سماسرة السياسة وتجار الثورات بالمرصاد للاصطياد في الماء العكر لصالح ذواتهم الرخيصة ، والدول التي كانت منذ البداية تعمل علي تمويل وتحريض ذلك الحراك الشعبي ، لذلك كان من الطبيعي بعد سقوط النظام أن إختفي معه ماكان يسمى بتجمع المهنيين العنصر المحرك لمظاهرات الشباب بعد أن انتهت مهمته ، لندخل بعد ذلك في مرحلة أخري من مراحل( الثورة) بقيادة السفراء الأربعة قبل أن ينضم إليهم الألماني فولكر وهو يرتدي قبعة المبعوث الأممي حتى يضفي شرعية زائفة لاولئك السفراء خاصة وانه أتي بدعوة وإصرار من رئيس الحكومة الامر الذي ُيبعد عنهم شبهة التدخل الأجنبي التي ترفضها كل الاعراف والمواثيق الدولية ، ويحضرني هنا خطيبهم ذاك اليوم في ساحة الاعتصام حين قال تاكيدا علي ارتمائه هو وزملاؤه في أحضان السفارات وردا علي اللائمين ” نعم بنمشي السفارات سفارة سفارة ” حتي صار اسمه الملتصق به حتي أليوم جعفر سفارات !
أعود واُذكّر هؤلاء العاتبين بخطاب الكراهية الذي تفشي في تلك الأيام بدرجة لا سابق لها في تاريخنا السياسي وروح الانتقام التي سادت ، لدرجة ان الانتقام والانتقام وحده ولاشئ سواه كان برنامج تلك الحقبة السوداء ، ونذكر كيف مات قادة سياسيون داخل المعتقلات وكيف كانت ملاحقات الاسلاميين تحت شعار( اي كوز ندوسو دوس) وكيف كان الاعتداء المسلح علي اجتماع حزب المؤتمر الشعبي بصالة قرطبة بواسطة ما أُطلق عليهم مجموعة” غاضبون” التي كانت بمثابة القوة المنفذة لرغبات وتوجبهات سيئة الذكر لجنة التمكين .
اذن كان الانتقام هو برنامج حكومة تلك الفترة العحيبة ، وسبق لرئيس الوزراء السيد حمدوك ان قال في مؤتمر صحفي في الرياض أثناء زيارة له للسعودية أنه لم يجد برنامجا يهتدي به في حكومته تلك .!
ولعل أداة الانتقام الأكبر إبان تلك الفترة الانتقالية كانت تتمثل في السعي المحموم والمتعجل لتغيير القوانين بما فيها قوانين الأحوال الشخصية التي تنظم أوضاع الأسرة السودانية ، ومعلوم من ثوابت الحكم الانتقالي انه يعمل فقط علي تسيير دولاب الدولة كما هو دون مساس بالجوهر الذي يحال عادةً الي حكومة منتخبة ومكتملة الاركان الدستورية والتشريعية، دعك من أن يكون هذا الجوهر هو نظام الاسرة السودانية في النكاح والطلاق وغيرهما من ثوابت أسرية ظلت راسخة لسنوات طويلة ، وبِذِكْر الانتخابات هذه فقد كان هؤلاء الناس يبغضون مجرد سيرتها ، وقد حكي لي أحد السياسيين المخضرمين والمعتدليت بأنْ زاره بعضٌ من قيادات تلك الحكومة من اصدقاء ابنه للاستنارة برأيه ، فنصحهم بالمشروع فورا في الاعداد للانتخابات ، فقال لي وجدت منهم امتعاضا ، بل تجرأ أحدهم وقال له ” الناس ديل ياعمك ما بحبو سيرة الانتخابات دي ” !
تلك كانت ملامح موجزة من فترة” الثورة” الشرارة الاولي التي اوقدت هذه الحرب اللئيمة ، ُاذكّر بها أصدقاء العتاب الذين مازالوا يظنون بها خيرا غفر الله لهم ولنا ..
د.عبدالعظيم عوض ،،،،،

مقالات ذات صلة