جلسة مجلس الأمن برئاسة بلينكن.. في انتظار موقف حاسم بشأن انتهاكات المليشيا
سيتوجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى مدينة نيويورك (الأربعاء) ليترأس اجتماعين لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأربعاء والخميس، حيث تتولى الولايات المتحدة الرئاسة الدورية للمجلس لشهر ديسمبر الجاري.
وسيركز الاجتماع الأول على تداعيات الذكاء الاصطناعي على الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، في حين ستركز الجلسة الثانية على السودان والأزمة الإنسانية الحالية هناك.
وإذا كان وزير الخارجية الأمريكي، لا يهتم كثيراً بما تقوله القوات المسلحة السودانية، أو ما تقوله حكومة السودان، عن الفظائع التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع في حق المدنيين السودانيين، بحجة أن حكومة السودان وجيشه يشكلان “طرفاً في الصراع” ولهما مصلحة في التشهير بمليشيا الدعم السريع المتمردة، فماذا عمّا تقوله المؤسسات الأمريكية التي تعمل تحت نفس المظلة التي يعمل بها بلينكن و حكومته؟ وماذا عن المؤسسات الأكاديمية الأمريكية المحترمة؟ وماذا عن المنظمات البريطانية الأمريكية؟
من المثير للاهتمام أن اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي سيرأسه بلينكن، الخميس، بشأن السودان، يعقد في الوقت الذي يتم فيه تكديس أكوام من الإدانات من المعاهد الأمريكية المحترمة، فيما يتعلق بالحرب الجارية في السودان والجرائم – وفقاً للمؤسسات الأمريكية – التي ارتكبتها المليشيا الدعم السريع والمجموعات المتحالفة معها، في السودان بشكل عام ودارفور بشكل خاص، وهناك من الشواهد ما يكفي.
تقرير معهد البحوث بجامعة ييل
لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار قائم منذ عام 2005 يحظر نقل الأسلحة لإطالة أمد الحرب في دارفور ولطالما تراكمت تقارير لجنة خبراء الأمم المتحدة المشكلة لهذا الغرض، منذ الشهور الأولى للحرب، توضح بالدلائل الموثقة، زيادة تدفقات الأسلحة على دارفور من تلقاء عدد من دول الجوار أبرزها تشاد، وتوضح في نفس الوقت، الطرف الذي يقوم بشحن وإرسال تلك الأسلحة والطرف الذي يستقبلها ويوظفها في الحرب!
غير أن الكشف عن تدفق الأسلحة وأنواعها لم يقتصر على لجنة خبراء الأمم المتحدة ولا على الصحافة الاستقصائية الدولية، كما في حالة نيويورك تايمز، بل امتد ليشمل المعاهد العلمية في جامعات أمريكية مرموقة تهتم بالقضايا الإنسانية، فقد أصدرت مؤسسة بحثية محترمة في الولايات المتحدة – مؤخراً – تقريراً أكاديمياً طويلاً يقول إن القصف المدفعي الكثيف العشوائي تجاه مناطق المدنيين و الذي قامت به مليشيا الدعم السريع ضد الفاشر وزمزم أدى إلى مقتل وإجبار أعداد كبيرة من النازحين على الفرار على وجوههم ليلقوا ربما مصيرا أسوأ.
الأسلحة المستخدمة في قصف المدينين، وفقاً للتقرير الذي نشره “مختبر البحوث الإنسانية في مدرسة (جامعة) ييل للصحة العامة” بالولايات المتحدة الأمريكية في 13 ديسمبر 2024، قد استوردتها الإمارات العربية المتحدة واستخدمتها قوات الدعم السريع ضد مواقع مدنية في الفاشر ومخيمات النازحين في زمزم.
وتتبع المعهد المحترم هذه الأسلحة وقال إنها على وجه التحديد مملوكة لدولتين: الصين، و هي المنتج، والإمارات العربية المتحدة، وهي المشتري الوحيد في المنطقة.
يقول التقرير إنه، وبشكل مفاجئ، ظهرت تلك المدافع الضخمة المعروفة باسم هاوتزر AH4 عيار 155 ملم (و يعرف العسكريون خطورة و قاتلية الهاوتزر)، في أيدي ميليشيات الدعم السريع في الجبال المطلة على الفاشر ومخيمات النازحين في زمزم. وأكد المختبر أنها كانت قيد الاستخدام ضد المدنيين النازحين في مخيمات زمزم وأنها تسببت في مقتل وتدمير وتشريد الآلاف من المدنيين.
فهل يا ترى، سيأخذ وزير الخارجية الأمريكي هذا الأمر في الاعتبار، أم يجب أن يقوم المندوب السوداني في الأمم المتحدة بلفت انتباهه لبضاعة من صنع مؤسسة محترمة في بلاده؟
“هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التعرف على هذه الأسلحة في الصراع الحالي في السودان. وفقًا للمصادر المتاحة للجمهور والتي استعرضتها مؤسستنا، فإن الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الوحيدة المعروفة التي اشترت AH4 من الصين.” ذلك ما جاء في تقرير المعهد العلمي الأمريكي والذي يبلغ طوله 27 صفحة.
وعلى كل حال، فإن التقرير الذي أكد تورط كلاً من مليشيا الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة، في خرق قرار مجلس الأمن الدولي بشأن حظر الأسلحة المفروض على دارفور، متاح على شبكة الإنترنت، و لا يحتاج إلى مزيد من التعليق.
بيان المعونة الأمريكية
أصدرت سامانثا باور، مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – بالطبع ليس سراً أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي جزء من هيكل وزارة الخارجية و لديها روابط قوية مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية – بيانا صريحاً وواضحاً قالت فيه إن قصف معسكر زمزم للنازحين ، من قبل الدعم السريع، لم يؤد فقط إلى مقتل المدنيين هناك، بل أجبر المنظمات الإنسانية أيضًا على وقف العمل فيه. فقد جاء في بيان الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الصادر الأحد الماضي: “في الأسبوع الماضي فقط، قتلت قوات الدعم السريع (RSF) في قصفها معسكر زمزم، أكبر معسكر للنازحين في شمال دارفور، ما لا يقل عن ثمانية أشخاص وأصابت العديد من الأشخاص الآخرين، مما أجبر وكالات الإغاثة على تعليق الخدمات المنقذة للحياة لأكثر من نصف مليون شخص، والذين، كما تم تأكيده في أغسطس من هذا العام، هم بالفعل في فكي المجاعة.”
هل سينظر الوزير في هذا الأمر أم يجب على البعثة الدبلوماسية السودانية داخل الأمم المتحدة أن تلفت انتباهه إليه. هذا أيضاً لا يتطلب أي تعليقات أخرى.
تقرير منظمة العفو الدولية
نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً موثقاً عن انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان و عن العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة في السودان. وقال تقرير هيومن رايتس ووتش هذا: “في المجموع، قدمت الناجيات وشهود آخرون معلومات عن 79 فتاة وامرأة، تتراوح أعمارهن بين 7 سنوات و 50 سنة، أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب. ” وكانت أغلب الحوادث الموثقة عبارة عن “اغتصابات جماعية وقعت منذ 31 ديسمبر 2023، في بلدة هبيلة وحولها، وفي قاعدة لمليشيا الدعم السريع، وشملت أيضًا ضحايا من بلدة فايو، على بعد حوالي 17 كيلومترًا جنوب هبيلة، في جنوب كردفان”.
وفي تقرير منفصل نُشر في 10 ديسمبر، وثقت هيومن رايتس ووتش عمليات قتل واختطاف وإنتهاكات واسعة النطاق للمدنيين، فضلاً عن عمليات نهب وحرق واسعة النطاق، في هبيلة وفايو وحولهما. وتُعد هذه الانتهاكات والعنف الجنسي دليلاً على الهجمات الواسعة النطاق التي تشنها مليشيا الدعم السريع على المدنيين في جنوب كردفان.
و وفقاً لتقرير المنظمة الدولية، “قالت فتاة تبلغ من العمر 18 عامًا إنه في فبراير أخذها مقاتلو قوات الدعم السريع و17 إمرأة وفتاة أخرى من فايو إلى قاعدة عسكرية حيث تم احتجازهن مع مجموعة من 33 إمرأة وفتاة كن هناك بالفعل تحت السيطرة الكاملة لخاطفيهم من قوات الدعم السريع. تم احتجاز النساء والفتيات في ظروف استعباد، وفي بعض الأحيان تم ربطهن معًا بالسلاسل. على أساس يومي لمدة ثلاثة أشهر، اغتصب المقاتلون وضربوا النساء والفتيات، بما في ذلك الناجية البالغة من العمر 18 عامًا، وهي جرائم تشكل أيضًا عبودية جنسية”.
ذلك كما ترى اقتباس طويل ولكنه يستحق جهد الاقتباس. هل سيأخذ الوزير هذا في الاعتبار؟ أم أن مندوب السودان في الأمم المتحدة يجب أن يلفت انتباهه إليه؟
وعلى كل حال، ذلك أيضاُ لا يحتاج لمزيد تعليق.
قرار مجلس الأمن حول الفاشر
ولا بأس من أن نختم هذا التقرير بالإشارة إلى أن مجلس الأمن الذي سيرأس وزير الخارجية الأمريكي جلستيه، الأربعاء والخميس، كان قد أصدر في يونيو الماضي، قراراً بالرقم (2736) طالب فيه مليشيا الدعم السريع المتمردة بوقف حصار وقصف مدينة الفاشر، لكن مليشيا الدعم السريع، ضربت بذلك القرار عرض الحائط، و منذ ذلك التاريخ تعرضت مدينة الفاشر إلى أكثر من 150 هجوماً، وظلت تتعرض للقصف من قبل المليشيا و بالسلاح الذي ظلت تجلبه دولة الإمارات، إلى يومنا هذا، الأمر الذي أدى لمأساة إنسانية لم تفلح تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية التي أشرنا إليها، إلا في عرض جانب منها.
وكالات