ماذا يعني الإعلان الإيراني عن رفع تخصيب اليورانيوم.. ؟
“مجرد ورقة ضغط” في حلبة المنافسة على الانتخابات الرئاسة المقبلة، وعلى مائدة مفاوضات فيينا. هو التوصيف الذي رآه مختصون في الشأن الإيراني لإعلان طهران، الجمعة، بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%؛ أي اقترابها من إمكانية إنتاج السلاح النووي.
فرغم حادث تفجير منشأة “نطنز” النووية في صحراء أصفهان منتصف الأسبوع الماضي؛ بما ترتب عليه من خسائر في الأجهزة اللازمة للتخصيب، إلَّا أن مساعد وزير الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، بعث برسالة إلى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، يعلن بها شروع بلاده في “البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%”، دونما تحديد لموعد تنفيذ هذا النشاط الجديد والمتطور، حسبما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
وقابلت القوى الأوروبية والولايات المتحدة هذه الرسالة التصعيدية من إيران بتحذيرات من أن رفع مستوى التخصيب عند هذه الدرجة يسمح بالانتقال بسرعة إلى نسبة 90% وأكثر، وهي المعدلات المطلوبة لاستخدام هذا المعدن الخام لأغراض عسكرية.
وتتفاوض إيران مع الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الصين) على إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي تجمد بانسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشكل أحادي منه سنة 2018، وعلى رفع العقوبات المفروضة عليها.
“ورقة صراع داخلية“
وفي حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”، يقول مسؤول العلاقات الخارجية لدى جبهة الشعوب غير الفارسية في إيران، صلاح أبو شريف، إن إعلان استهداف منشأة “نطنز” النووية أحرج الحكومة الإيرانية محليا، وتحديدا أمام الجناح المتشدد الذي سيستثمر الحادث للضغط من أجل إفشال جهود الطرف الإيراني المفاوض، وتوظيف الحادث لحساباته في انتخابات الرئاسة المقبلة.
ويوضح بأن الجناح المفاوض يعلق آمالا لتنتهي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران؛ لأن الاقتصاد في حالة تداعي مستمر بسببها؛ وهو ما يفاقم أعباء هائلة على المواطن الذي يقع تحت وطأة “براغماتية المرشد والحرس الثوري ومصالحهما الفئوية المحدودة”.
وعلى هذا- يضيف المتحدث- فإن: “الهجوم على المنشأة النووية جاء في لحظة مربكة للنظام، عمَّقت الانقسام بين جناحي السلطة التي تحتدم بينهما المنافسة على خلفية الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في حزيران (يونيو)، فيصر روحاني (الرئيس الإيراني) على العودة للاتفاق ورفع الحصار عن بلاده للحصول على مكسب انتخابي لجناحه، في حين يسعى جناح المرشد علي خامنئي نحو المماطلة والاتجاه للتصعيد ورفع التخصيب والانسحاب من المفاوضات، حتى وصول أحد العناصر التابعين له والجناح الراديكالي لمنصب الرئيس”.
“استهداف السفن احتمال راجح“
ويعتقد الدكتور هاني سليمان، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أن التصعيد جاء لإعادة التوازن في مفاوضات فيينا، ومحاولة ترجيح كفة طهران في سباق الزمن بينها وبين واشنطن.
كما برر سليمان في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية” لجوء طهران لهذا النوع من التصعيد؛ أي إعلانها بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، بأنها غير قادرة على وسائل التصعيد التقليدية كتكليف ميليشياتها المنتشرة بشن عمليات وهجمات.
ويقول: “ليس من المتوقع أن تقوم إيران، حاليا، بالتصعيد وتعبئة مناطق صراع معينة في المنطقة. وصحيح أنها تريد الضغط، للحصول على مكاسب في مفاوضات فيينا، لكنها لا تنوي فعل ذلك بالاستفزاز العسكري أو تكثيف الأنشطة الميدانية بصورة تثير واشنطن، أو بالشكل الذي يورطها في مواجهات حادة ومفتوحة مع إسرائيل، وتنال من قدراتها التفاوضية في فيينا”.
كما أن “الهجوم على منشأة نطنز بما يتضمنه من خسائر لإيران، أعطى مساحة لواشنطن ودول أوروبا للتعامل بصورة جديدة ومغايرة؛ ولذلك قامت إيران بالإعلان عن التخصيب بنسبة 60%، باعتبارها ورقة ضغط جديدة”.
وتوقع الباحث أن تمد طهران قدمها بخطوة أخرى للضغط، مثل استهداف سفن إسرائيل في البحر الأحمر؛ حيث استهدفت سفينة إسرائيلية في مارس، وردت عليها إسرائيل باستهداف السفينة الإيرانية “إم في سافيز”، ضمن ما يسمى “حرب الظل”، ما مهد لفتح “جبهة بحرية” بينهما.
غير أن الكفة، حسب سليمان، لصالح إسرائيل التي استهدفت في الفترة من 2019 وحتى الآن قرابة 12 سفينة إيرانية، معظمها ناقلات للنفط بعمليات هادئة لتعطيل السفن الإيرانية، دون أن يكون الرد الإيراني على المستوى المطلوب، أو المتوقع، بحسب دعايتها.
وعليه، فالهجوم على السفينة الإسرائيلية “لن يكون له تأثير عميق؛ خاصة وأن إسرائيل عازمة على اتباع استراتيجيتها المستقلة للتعامل مع إيران وبرنامجها النووي، سواء توصل الرئيس الأميركي جو بايدن لاتفاق معها أم لا، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأكثر من مسؤول إسرائيلي سابق”.
وبدا أن التلويح بورقة اليورانيوم لم يُحدث التأثير المطلوب، فقد وصف الطرف الآخر في المفاوضات أنها جرت في “أجواء إيجابية” حسبما غرد الممثل الروسي لدى المنظمات الدولية في النمسا ميخائيل أوليانوف: “الاجتماع انتهى وسيتبعه عدد من اللقاءات غير الرسمية. الانطباع العام إيجابي”.
ومن جانبه، غرد منسق الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا: “نحن مسرورون لرؤية الجميع يعودون إلى فيينا وهم جاهزون لإحراز تقدم في المفاوضات، رغم الأحداث الصعبة في الأيام الماضية”.