خبر و تحليل – عمار العركي : الوساطة التركية: لحظة فارقة بين تراجع الإمارات وتقدم الجيش السوداني

في قلب الأزمة السودانية، وتحت سماء مشحونة بالأحداث والتصريحات المتناقضة، تبرز محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يكون الوسيط الذي يحاول أن يعيد ترتيب الأوراق بين المتصارعين. لم تكن المبادرة التركية التي وُجِهت إلى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، سوى خطوة جديدة في سلسلة تحركات دولية تعكس رغبة في فهم أعمق للمشهد السوداني المشتعل.

▪️في عالم السياسة والعلاقات الدولية، ليس هنالك ما هو أكثر وضوحاً من تصريحات ومواقف السياسيين؛ فهي بمثابة الخيوط التي تدل على اتجاهات الفعل السياسي، وتسمح للمتابعين بقراءة الأحداث وفهم ما وراء الكواليس. فكل موقف، حتى وإن بدأ عابراً، يحمل في طياته رسالة مخفية، يتداخل فيها الماضي مع الحاضر ليكمل بعضه البعض.

▪️منذ بداية الأزمة، كانت الإمارات تلعب دوراً مشبوهاً في دعم المليشيات المسلحة، معتقدة أن الدعم السري لقوات الدعم السريع قد يمر دون أن يلاحظه أحد. لم تدرك الإمارات أن مع مرور الوقت، ستتكشف الحقائق وتتساقط الأقنعة. تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إلى جانب شكاوى الحكومة السودانية، جعلت من تورط الإمارات في الصراع السوداني أمراً مكشوفاً للجميع. وأصبح العالم يدرك أن محاولات الإمارات لتغطية دعمها للمليشيات تحت شعار “المساعدات الإنسانية” لم تعد مجدية.

▪️وكانت النتيجة أن الإمارات وجدت نفسها في مأزق سياسي، حيث لم تتمكن من إتمام انقلابها عبر حليفها الدعم السريع. فشل الانقلاب في الوصول إلى أهدافه، مثل اعتقال البرهان أو إجبار الجيش على الانسحاب، ووصل الأمر إلى النقطة التي بدأ فيها الشارع السوداني يظهر مقاومة قوية ضد الانقلابيين. لم يعد هناك مجال للتكهن، فمقاومة الشعب السوداني أعطت الجيش فرصة جديدة للتقدم، لتتحول الموازين في ساحة المعركة، وتتحول الإمارات إلى قوة تسعى الآن للبحث عن مخرج.

▪️إن الإمارات في سعيها لإعادة تموضعها، قد تسعى إلى احتواء الموقف عبر وساطات إقليمية، لكن الحذر واجب في التعامل مع هذا التحرك. فإلى جانب الضغوط الدولية والداخلية، تبدو الإمارات الآن مضطرة للتكيف مع معطيات جديدة قد تفرض عليها التراجع، على الأقل مؤقتاً. ومن هنا يأتي دور تركيا التي برغم من علاقاتها مع مصر قد تسعى إلى صياغة تسوية توافقية تنقذ الإمارات من المأزق الذي وقع فيه حلفاؤها.

▪️لكن، وفي الوقت الذي تبحث فيه الإمارات عن فرص جديدة لإعادة التموضع، قد تكون هذه الفرص ذاتها مهددة. فالتطورات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالولايات المتحدة قد تغير موازين القوى في المنطقة. مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فقد تتغير الاستراتيجيات الأميركية تجاه الشرق الأوسط وتصبح الإمارات في وضع أصعب. ربما تكون هذه اللحظة هي المرة الأولى التي تتراجع فيها الإمارات عن بعض من سياساتها التي لطالما اعتقدت أنها ستدوم.

▪️مع هذا المشهد المعقد والمتشابك، تبرز خطوة مهمة جداً للسودان: كيفية استثمار هذه اللحظة الفارقة. إن العالم اليوم يتطلع إلى السودان، وفي يد السودانيين فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أوراقهم السياسية، ليظهروا في الصورة الدولية كدولة ذات سيادة قادرة على حسم أمورها الداخلية. ولكن لكي تنجح هذه الفرصة، لابد من أن يظل السودان على وعي كامل بما يدور حوله، مستفيداً من الاضطرابات الإقليمية والدولية دون أن يسمح لأي طرف بتقويض إرادته الوطنية.

▪️خلاصة القول ومنتهاه

▪️بينما تتراجع الإمارات عن دعم المليشيات وتقدم الجيش السوداني، تبدو الوساطة التركية بمثابة محاولة لإعادة خلق توازن جديد في المنطقة. تحركات الإمارات لا تعكس سوى محاولات يائسة لتغيير الواقع الذي فرضته الأزمات الداخلية والعالمية عليها. السودان، من ناحيته، يجب أن يكون على دراية بأن هذه اللحظة قد تحمل معه فرصاً كبيرة، لكن تلك الفرص لن تبقى مفتوحة إلى الأبد.

▪️لذلك، ومن أجل الحفاظ على مصالحه واستقلاله، يجب على السودان أن يعزز موقفه داخلياً ودولياً. بيد أن هذا يتطلب منه البقاء يقظاً في مراقبة تحركات الأطراف الإقليمية، خاصة تلك التي قد تحاول استغلال الموقف لتحقيق أهدافها الخاصة. تظل الفرصة سانحة إذا ما تمكن السودان من التعامل مع التحولات الخارجية بحذر، مدركاً أن أي تسوية لا بد أن تكون في مصلحته أولاً وأخيراً، وأن أية تدخلات إقليمية يجب أن تكون تحت سقف احترام سيادته.

مقالات ذات صلة