عمار العركي.. المصالحة الإثيوبية الصومالية : الآبعاد و الإنعكاسات على السودان والمنطقة
▪️شهدت منطقة القرن الإفريقي تطوراً استراتيجياً لافتاً بإعلان مصالحة تاريخية بين إثيوبيا والصومال، بوساطة تركية، وصفت بأنها “خطوة أولى نحو بداية جديدة قائمة على السلام والتعاون”. هذا الاتفاق، الذي جاء بعد عقود من الصراعات، يحمل دلالات عميقة على المستوى الإقليمي، وينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على السودان وأمنه القومي، في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة.
خلفية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا
▪️ترجع الأزمة بين إثيوبيا والصومال إلى خلافات تاريخية وجيوسياسية أثرت على استقرار المنطقة:
1/ النزاع حول إقليم “أوغادين” الذي تطالب به الصومال كان أحد جذور الصراع، حيث تمسكت إثيوبيا بسيادتها عليه.
2/ اثارت اتفاقية إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال- صومال لاند – مخاوف مقديشو، خصوصاً فيما يتعلق باستخدام الموانيء والسواحل في خليج عدن لأغراض تجارية وعسكرية.
3/ التدخل الإثيوبي في الصومال لمحاربة الإرهاب زاد من حدة التوترات، وسط اتهامات بمحاولة إثيوبيا فرض هيمنة على مقدرات الصومال.
هذا الصراع التاريخي أدى إلى تعقيدات جعلت أي مصالحة بين البلدين بعيدة المنال، إلا أن الوساطة التركية استطاعت تحقيق اختراق غير مسبوق في هذا الملف.
*_الوساطة التركية: أهداف ومكاسب_*
▪️دخلت تركيا، التي تتمتع بعلاقات قوية مع كل من إثيوبيا والصومال على خط الوساطة مستفيدة من موقعها الاستراتيجي ومصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
*_الأهداف التركية:_*
▪️توسيع نفوذها الإقليمي عبر استقرار القرن الإفريقي، والعمل على تعزيز شراكاتها الاقتصادية، خاصةً في مشاريع البنية التحتية والنقل، اضافةً الى الحفاظ على دورها كوسيط دولي موثوق قادر على حل النزاعات الإقليمية.
*_المكاسب المتوقعة:_*
▪️حال نجاح مشروع المصالحة ، سيسهم في استقرار المنطقة ، ويفتح الباب أمام تركيا للاستثمار في ممرات تجارية جديدة.
كذلك تحقق تركيا نفوذاً مستداماً في البحر الأحمر، الذي يمثل نقطة محورية في المصالح التركية بالمنطقة، كما أن رعاية تركيا للمصالحة يعزز صورتها كشريك إقليمي فعال،
*_الانعكاسات على السودان_*
▪️ بالنظر إلى موقع السودان في القرن الإفريقي وحدوده المشتركة مع إثيوبيا، فإن هذه المصالحة تحمل انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على أمنه واستقراره:
1/ انشغال إثيوبيا بتعزيز علاقتها مع الصومال قد يقلل من التوترات الحدودية مع السودان، مما يمنح الخرطوم فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها الأمنية.
2/ النفوذ التركي المتزايد في المنطقة، بدعم إثيوبي وصومالي، قد يفرض تحديات جديدة على السودان، خصوصاً إذا أصبحت المنطقة مسرحاً لتنافس القوى الإقليمية.
3/ هذه المصالحة تمنح السودان فرصة لإعادة تأكيد دوره الإقليمي عبر مبادرات تدعم استقرار القرن الإفريقي وتعزز الشراكات الثنائية مع دول الجوار.
*ماذا يجب أن يفعل السودان؟*
▪️للتعامل مع هذه التحولات الإقليمية، يحتاج السودان إلى تبني استراتيجية شاملة تقوم على :
1/ اعادة صياغة العلاقات الثنائية مع إثيوبيا والصومال لضمان توازن إقليمي يحمي مصالح السودان
2/ التنسيق مع تركيا لضمان أن تدخلها في المنطقة يصب في مصلحة استقرار البحر الأحمر.
3/ مراقبة التحركات العسكرية والدبلوماسية في البحر الأحمر لضمان عدم تهديد مصالح السودان ، والعمل على تعزيز القدرات الدفاعية على الحدود مع إثيوبيا لمواجهة أي تحديات محتملة.
4/ التركيز على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع دول الجوار، خاصةً في قطاعات الزراعة والبنية التحتية.
5/ دعوة تركيا للاستثمار في السودان في مشاريع تنموية تخدم الطرفين وتدعم الاستقرار الإقليمي.
*_خلاصة القول و منتهاه_*
▪️أمام السودان فرصة ذهبية للاستفادة من التطورات الإيجابية في المنطقة لتعزيز دوره كفاعل إقليمي أساسي. يمكن أن تكون المصالحة الإثيوبية الصومالية بوساطة تركية، رغم التحديات التي قد تفرضها بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والتعاون الإقليمي.
▪️لتحقيق ذلك، على السودان أن يعمل على توحيد الصف الداخلي وبناء رؤية استراتيجية تعزز الأمن القومي وتدعم التنمية الاقتصادية. الرسالة الأهم للداخل السوداني هي أن النجاح في مواجهة التحديات الخارجية يبدأ من الداخل؛ فالتوافق الوطني والالتفاف حول مصلحة السودان العليا هما أساس أي تحرك ناجح على الصعيد الإقليمي والدولي.