إبراهيم عيسى هدل .. الاستهبال السياسي (2 ــ 2)
الاستهبال السياسي (2 ــ 2)
لا يقل الحزبان الكبيران “الأمة والاتحادي” دكتاتورية وتسلطاً على رقاب العباد عن غيرهما من قبائل اليسار، إذ يصبح السودان تحت حكم الحزبين ضيعة للسيدين زعماء الطائفية، حيث لا توجد ممارسة ديمقراطية حقيقية داخلهما، وينعدم التداول السلمي خارج إطار قداسة الحسيب النسيب، ويتحول أعضاء الحزب لمريدين لشيخ الطريقة الصوفية، وبعد أن قدم حزب الأمة كلاً من عبدالله خليل ومحمد أحمد محجوب لسدة الرئاسة، وقاد الحزب الاتحادي إسماعيل الأزهري ومبارك زروق وعلي عبدالرحمن في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، احتكر آل المهدي وآل الميرغني زعامة الحزبين مدى الحياة ثم أورثوها لأبنائهم من بعدهم!
لست بصدد القول بأن الحركة الإسلامية كانت مبرأة من كل عيب أو قدمت نموذجاً ديمقراطياً ونهجاً شورياً يحتذى من قبل الآخرين، فقد اعترتها علل الأحزاب اليسارية والطائفية معاً، ولكن رميها بكل موبقات التسلط والدكتاتورية لا يخلو من الكيد السياسي وعدم الإنصاف لحركة إسلامية حاكمة سمحت للحزب الشيوعي بإقامة مؤتمره العام بقاعة الصداقة الحكومية، وصالحت ألد أعدائها في اتفاق سلام نيفاشا، وجاءت بالعقيد جون قرنق وخليفته سلفاكير نائبين أولين لرئيس الجمهورية، ومشت في طريق تنفيذ اتفاق السلام حتى النهاية باستفتاء الجنوبيين بين الوحدة والانفصال.
كما أعطت حكومة الإنقاذ فرصاً لمشاركة المعارضين من أمثال الراحل الشريف زين العابدين الهندي، وجلال يوسف الدقير، ود. أحمد بلال عثمان من الاتحاديين بعد اتفاق دمشق، ثم اتفاق جيبوتي الذي جاء بالسيد مبارك الفاضل المهدي، ود. الصادق الهادي المهدي، والزهاوي إبراهيم مالك، وأحمد بابكر نهار، وعبدالله علي مسار، كما أتاحت اتفاقية القاهرة فرصة مشاركة التجمع الوطني الديمقراطي في برلمان نيفاشا الذي ضم فاروق أبوعيسى، وفاطمة أحمد إبراهيم، وسليمان حامد، وحسن أبوسبيب، وعلي السيد، وحسن عبدالقادر هلال وغيرهم، وتولى كل من عبدالرحمن سعيد وأحمد سعد عمر وحاتم السر علي وإبراهيم الميرغني مناصب وزارية في حكم الإنقاذ، وحظي السيد محمد الحسن الميرغني بمنصب كبير مساعدي الرئيس البشير جنباً إلى اللواء عبدالرحمن الصادق المهدي وبقيا بالمنصب إلى يوم سقوط حكم الإنقاذ!.. ويبقى السؤال لكل المتحزبين الذين ركبوا موجة الثورة على أي ذاكرة مثقوبة تعولون لمسح مشاركتكم في حكم الإنقاذ وإبرام الصفقات التجارية معها حتى تضخمت ثرواتكم قبل أن تبصقوا على إناء الإنقاذ الذي أكلتم وشربتم فيه؟!
ولعله من حسنات حكم الإنقاذ أنها سمحت لمعارضيها ومنتقديها بالكتابة بصحافتها حيث لمعت أسماء صحفية كبيرة وكتاب أعمدة بصحف الكيزان حين استُكتب كل من: د. الشفيع خضر، د. عبدالله علي إبراهيم، د. صديق تاور، د. إبراهيم الأمين، د. إبراهيم رضوان، وغيرهم، كما نال كتاب الأعمدة حظاً وافراً من الصيت أمثال د. عبداللطيف البوني “حاطب ليل”، وعثمان ميرغني “حديث المدينة”، وزهير السراج “مناظير”، والراحلين إبراهيم دقش “عابر سبيل”، والفاتح جبرا “ساخر سبيل”، بالإضافة لتقارير محمد لطيف، وأغلب هذه الأسماء لمعت بالكتابة في صحف الإنقاذ الدكتاتورية ولم يعدم الرئيس البشير كاتباً كما أعدم جمال عبدالناصر الكاتب والأديب سيد قطب، ولم ترسل الإنقاذ فرق الموت والتصفية الجسدية لمعارض كما أرسل صدام حسين زبانية البعث لاغتيال مهدي الحكيم بالخرطوم!
ربما نحتاج لإعادة تعريف الدكتاتورية السودانية، فهي أرأف بنا من الديمقراطيات العربية التي يحكمها كفلاء الجنجويد وذراعهم السياسي تقزم قحت المركزي، فتغريدة مناوئة للحاكم هناك كفيلة بتجريد صاحبها من الجنسية مع ذهابه وراء الشمس.
إبراهيم عيسى هدل