التعامل مع السفارات الأجنبية .. كتب د. عبدالعظيم عوض ،،،
ما رأيت بلدا ( برطعت) فيه السفارات كما حدث في السودان إبان ماعُرف بثورة ديسمبر .. كان الدبلوماسيون الأجانب يمضون سحابة يومهم داخل خيام اعتصام القيادة ( قيادة جيش البلد ) ، انتقلت مكاتبهم من مقار بعثاتهم المعتمدة الي ظلال أشجار شارع الجامعة ومحيط القيادة وبايديهم حواسيبهم المحمولة وكاميراتهم وما خفي أعظم ..
كل ذلك كان يتم علي عينك ياتاجر في غياب تام للحكومة التي كانت مشغولة بشعارات علي شاكلة اي كوز ندوسو دوس ، ومعليش معليش ما عندنا جيش .. وغيرها من الترهات والخزعبلات التي صاحبت فوضى التغيير … لكن أن تستمر تلك التدخلات الشائنة من سفارات بعينها بعد الاستقرار النسبي الذي شهدته البلاد لاحقا ، فتلك كانت سقطة لا تغتفر وتتحمل وزرها حكومات تلك الحقبة شديدة الهشاشة وغير المسبوقة عبر كل تاريخنا السياسي ، وماهذه الحرب اللعينة الحالية الا نتاج تلك الحقبة البائسة ، وسيأتي وقت الحساب لما حدث من تفريط في سيادة هذا الوطن وأمنه ..
تذكرت ذلك وأنا أطالع البيان الغريب الذي اصدرته الحكومة مؤخرا تحذر فيه وزراءها وكبار موظفيها ونظامييها والادارات الأهلية من التعامل مع السفارات إلا عبر قنوات الجهة المعنية وهي وزارة الخاجية .. اقول غريبا لأن ماهو مطلوب يفترض أن يكون معلوما بالضرورة، بل يجب أن يكون معلوما للجهات المخاطَبة .
أما إذا نما لعلم الدولة أن هناك من المسؤولين من لايزال يتعامل مع السفارات الأجنبية بعيدا عن القنوات المحددة ، في هذه الحالة تجب مساءلة هؤلاء المسؤولين وربما محاسبتهم علي فعل يجرمه القانون الوطني وقبل ذلك الخلق القويم والسلوك السوي .. أما صدور بيانٍ بهذا النشر الواسع فلا نحسبه من الحصافة وحسن التدبّر في شأن إدارة الدولة ..
السفارات ظاهرها العمل الدبلوماسي الهادف الي تبادل المصالح مع دولة التمثيل فضلا عن المهام القنصلية المعلومة .. لكنها من زوايا أخرى اوكار للتجسس المشروع تتبادل منافعه الدول فيما بينها و( الحشاش يملأ شبكتو) !
بهذا المفهوم البسيط لمهمة السفارات ، فلن يكون هناك ضير إذا ما استطاع الدبلوماسي الأجنبي أن يتغلغل وسط مجتمع البلد الذي يمثل بلاده فيه ويخلق من العلاقات الاجتماعية ما يعينه علي أداء مهامه لمصلحة بلده .. إنما الضير كلّ الضير فيقع علي عاتق المسؤول السوداني الذي يتهافت وراء السفراء الأجانب والسفارات ، فتلك من الشيَم الكريهة التي لا تليق بكبار المسؤولين في الدولة خاصة الذين أدوا قسم الولاء للوطن أمام راس الدولة وقبل ذلك أمام الله ..