السودان: وكيل وزارة الطاقة يستقيل ويكشف المستور عن ملفات الكهرباء
رصد: اثير نيوز
دفع وكيل وزارة الطاقه م. خيري عبدالرحمن احمد باستقالته بعد ان تأزم وضع قطاع الكهرباء وقال في بيان اصدره اتقدم بكل تواضع واحترام للشعب السوداني بالتحية والتقدير والاحترام واعلن طوعاً انتهاء فترة تكليفي كوكيل لقطاع الكهرباء، وقد ظللت اعمل بكل مهنية واحترافية متجاوزاً الانتقادات الجارحة وغير الموضوعية والمغرضة، ومستفيدا من التعاون الكبير الذي وجدته من كل زملاء المهنة الذين هم خارج القطاع (في الوطن او خارجه) او داخل القطاع وكانوا خير معين وسيظلوا دوما في خاطري كرفاق درب تشاركنا لحظاته العصيبة وهموم الوطن النبيلة. وأجدد العهد بالتزامي بكل القضايا الوطنية الديمقراطية وشعارات الثورة العظيمة: حرية سلام وعدالة، وانني سأواصل جهدي في كافة الميادين التي تمكنني من تنفيذ ذلك العهد على ارض الواقع.
وأضاف أود أن أؤكد مجددا للذين يظنون (خطأً كان او سوءً أو إثما) أن الكهرباء تغطي تكاليفها من دخل التعرفة سواء كان بالدفع المقدم أو الآجل، أن هذا غير صحيح حتي بعد كل الزيادة المضاعفة التي تم تطبيقها في بداية هذا العام. وأن وزارة المالية علي علم تام بهذه الحقيقة وهي التي قادت فريق مراجعة كل حساباتها ومن ثم شاركت في اعداد ميزانية قطاع الكهرباء لعام ٢٠٢١م متضمنة تطبيق التعرفة الجديدة، وتوصلها لوجود عجز بعد زيادة التعرفة يصل إلى ١١٥ مليار جنيه سوداني وعلى ضوئه التزمت هي بتغطية قيمة الوقود المستورد (باخرتين شهرياً) بحد أقصي يبلغ ١٠١ مليار جنيه للعام على ان يدبر قطاع الكهرباء حاله في بقية مبلغ العجز وهو ١٤ مليار جنيه. وهذه الأرقام توضح جلياً أن التعرفة الجديدة وعلى ارتفاعها لم تغطي سوي جزء من العجز الكلي الذي وقع على قطاع الكهرباء منذ تفتته “عمداً مع سبق الاصرار والترصد” إلى شركات عقب إلغاء الهيئة القومية للكهرباء وتضاعف تكلفتها الادارية وتشتت جهودها الفنية. ولكن من المؤسف جداً أن تعجز الدولة مجدداً ممثلة في وزارة المالية عن التزاماتها تجاه وقود الكهرباء، حيث لم تدخل حتي اليوم سوي ٤٠ الف طن وقود فيرنس من جملة ٢٤٠ الف طن لشهور يناير فبراير ومارس. دع عنك غياب التدفقات المالية الشهرية التي تستخدمها الكهرباء لشراء قطع الغيار ودفع مستحقات تعاقدات الصيانة السنوية والطارئة. فلم يتم دفع الا ماهو اقل من ٥ مليون دولار من جملة ٣٠ مليون دولار لنفس الشهور، وقد اضاف ذلك عبئاً كبيرا على قطاع الكهرباء من حيث أهلية الماكينات للعمل بالصورة الممكنة دع عنك العمل بالطاقة القصوي.كل ذلك يكشف اسباب العجز الكبير الذي يقف عليه القطاع اليوم ويمثل نقص أكثر من ألف ميقاواط دون الطلب والحوجة وبالتالي اضطرار القطاع علي جدولة القطوعات بإستثناء تغذية المواقع الإستراتيجية والمستشفيات ومراكز العزل.ثم تتعاظم الأزمة الناتجة عن القطوعات المبرمجة حيث تؤدي لأن يخسر قطاع الكهرباء الدخل المفترض عند انقطاع ٥٠٪ من الكهرباء من فترة التخفيف، وبالتالي فقد دخل كبير، وكان ذلك الدخل قد تم اعتماده من ضمن مدخولات القطاع في ميزانية عام ٢٠٢١م مع عجزها التكويني. في الوقت الذي تضاعف فيه هذه القطوعات من تكلفة التشغيل لأنها تزيد الحوجة الي اسبيرات جديدة كالمفاتيح والمحولات.
مشيرا الي أن التعرفة الجديدة كانت جزء ابتدائي من خطة متكاملة لإصلاح قطاع الكهرباء، وكان يجب أن يبدأ ذلك الاصلاح بإصدار قرار دستوري وزاري بإعادة تأسيس الهيئة السودانية للكهرباء: كيان حكومي موحد يعمل علي توحيد كل الادارات الاستراتيجية في كل شركات القطاع الحالية مثل التخطيط والمشروعات والمراجعة والقانونية والتدريب وغيرها، وفي نفس الوقت الاحتفاظ بالشركات التشغيلية متل التوليد والتوزيع والنقل مع هيكلتها لتخفيف اعبائها المالية واكسابها قدرات مرنة متقدمة لادارة وتطوير نفسها. وللأسف الشديد تأخر كثيرا اصدار ذلك القرار الهام والذي تقدمت بطلبه شخصيا الي مجلس الوزراء رسمياً في ٧ سبتمبر ٢٠٢٠م مصحوباً بكافة المصوغات المهنية ومستفيدا من كافة توصيات الخبراء والزملاء المهندسين القدامي والجدد، وتمت متابعة طلب القرار بإستمرار وبإلحاح الي أن أكد السيد رئيس الوزراء بأنه في مراحل اصداره الأخيرة عند مخاطبته لمهندسي ومدراء ادارات وشركات وزارة الطاقة في يناير الماضي. ولكن: يعود الأمر أدراجه لتبدأ الرغبة في دراسة جدواه من جديد !
أيضا هو يأتي من ضمن خطط القطاع التي تمت مراجعتها وتحديثها وتتضمن الآن بناء محطات طاقة شمسية وطاقة رياح وتحديث شبكات النقل والتوزيع وزيادة محطات الانتاج خارج الشبكة القومية (off-grid) مع التركيز علي المناطق التي خضعت لويلات النزاعات الاجتماعية والعسكرية ويعاني اهلها الأمرين بسبب افتقاد مقومات الحياة الأساسية وعلي رأسها الكهرباء.
وكذلك الإصلاح التشريعي الذي طلبنا أن يتم ليتيح مزيداً من الاستثمارات الوطنية الخاصة فاتحين المجال لتطبيق أحدث الضوابط الدولية للتعاقدات بأنظمة ال BOT / IPP / PPP وغيرها. وكذلك التشريع للانتاج الخاص الذي يشجع المواطنين علي استخدام الطاقة الشمسية المنزلية مع الاحتفاظ بحقهم في استخدام الشبكة القومية أو ايفادها بما يفيض عندهم من انتاج خاص. وكذلك بفصل مركز الرقابة تماما عن القطاع ليصبح الجهاز الرقابي المستقل لضمان جودة خدمة الكهرباء وحقوق كافة الأطراف وعلي رأسها المستهلك ثم المستثمر ومحاسبة القطاع علي اوجه القصور وتحميله مسئولية أي تقصير.
واضاف أجدد القول أن المخرج للوضع الحالي هو أن تضع الدولة فعلياً أهمية قصوي للكهرباء بإعتبارها خدمة استراتيجية لها أولوية قصوي من أجل توفير اهم مدخلات الانتاج في كافة أشكاله: زراعي/صناعي/تجاري/خدمي وأخيرا سكني لرفاه الناس. لا يمكن لأي دولة ان تتحدث عن عزمها لإحداث تغيير اقتصادي اجتماعي دون أن تضع اولوية قصوي للكهرباء. وبذلك يجب ان تلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الانتاج والتوزيع الكهربائي. ومن المؤكد أن ذلك كان ممكناً، وهنالك أمارات كثيرة رأيناها طيلة العام الماضي (ونحن نضغط علي أنفسنا صبراً علي عدم وضع الأولوية للكهرباء) لصرف بالملايين في مجالات لا توازي في أهميتها الكهرباء، واهدار الملايين من الموارد النفيسة والعزيزة لهذا الوطن الغني. وكان من الممكن جداً أن تتقدم الدولة نفسها للمبادرة اولاً بوقف العديد من مظاهر الصرف الغير ضروري، وتتحمل قطع الامداد عن مكاتبها ومساكنها وعدم تشغيل الآلاف من المولدات ووقف العشرات من العربات ووقف العديد من السفريات وغير ذلك مما يؤدي لتوفير المبالغ المطلوبة للكهرباء، وفي نفس الوقت يُظهر جدية الدولة في توفير هذه الخدمة الإستراتيجية للبلاد. ما أراه يحدث اليوم وبكل أسف، هو اجترار النماذج البالية وغياب الإرادة القوية التي نحتاجها بشدة للخروج من مأزق الكهرباء اليوم. لن يفيد تكرار الوعود بلا إسناد، ولن يجدي إلقاء اللوم على الأفراد لإيجاد مبرر، ولا اطلاق الالتزامات اعلامياً إن لم يسبق كل ذلك الاداء العملي الواقعي الذي يبدأ قبل كل شيئ وضع الكهرباء كأولوية قصوي مع إشراك كافة اصحاب المصلحة والخبراء في توجيه دفتها عملياً بدلاً من الانزواء في منتجعات معزولة والزعم بوضع مشاريع لنجاح الخروج من مأزقها وتجاهل كل الجهود السابقه وكأن مخترع العجلة وصل متأخرا.