عمار العركي يكتب : ولاية القضارف .. بين سندان الصراعات الحدودية ومطرقة الحرب الوجودية (1)

• لا زالت جدلية التوصيف والخلاف حول وصف الأزمة الحدودية بين السودان واثيوبيا مابين انه (صراع) بتعريفه الاستراتيجي (تعارض مصالح) ، ووصف مناقض بأنه (نزاع) بحسب (تعارض الحقوق القانونية) ، حيث ظلت هذه الجدلية إحدى العوامل المهمة في تفأقم الأزمة التى القت بظلالها على الحرب والتى بدورها وحقيقتها (حرب وجود) اكثر من كونها حرب مصالح وحدود شرقية ، خاصة ولاية القضارف الحدودية مع (أثيوبيا) مما جعلها هدف استراتيجي للأطماع الحدودية التاريخية و الحرب الوجودية الحالية.
• الاوضاع والمهددات الراهنة التى تُحيط بحدودنا الشرقية عموماً ، وولاية القضارف خاصة ، جعلتنا نتناول الأمر في ثلاثة مقالات بالقراءة والتحليل لهذه المهددات والمخاطر التى تواجه ولاية القضارف بحكم موقعها واهميتها ، بما يُمكن من تحديد وتشخيص الأزمة مع مقترحات حلول ومُعالجة :-

1. ملف الحدود بين الدولتين تضخم نتيجة لعوامل عدة ، أهمها تراكم سياسة الإهمال من الحكومات المتعاقبة في البلدين ،خاصة (التقراي – الإنقاذ )اللتان أضاعتا فرص تاريخية لإعادة ترسيم الحدود ووضع العلامات، كما أن (قومية الأمهرا) تعد أكبر عقبة في طريق تسوية هذا الملف وذلك بسبب أطماعها ومطالبها التوسعية التاريخية على حساب الآاراضي السودانية ، وإستمرارها في حشد مليشياتها سنوياً – قبل انتشار الجيش – والقيام بالعدائيات والتعديات لتحقيق مطامعها وفرض سياسة الأمر الواقع فيما ظل العامل الخارجي ببعده الدولي والإقليمي ( إسرائيل –الأمارات) حاضراً وبقوة.
2. المتابع للمسار التاريخي والسياسي لمسألة الحدود يجد وصف الصراع حاضراً وبقوة من خلال منظور (المصالح) بشقيه التعارضي او التماثلي، بدأ من إنطلاق المفاوضات لتحديد الحدود بين السودان والحبشة في 15 أبريل 1899 بين الإمبراطور منليك والخبير البريطاني جون هارنجتون، حيث تم الإتفاق على مسار الخط شرقاً في منطقة القلابات لتصبح كلها للسودان. ولكن منليك كان تواقاً بشدة لأن يحصل على مدينة المتمة ذات الأهمية الاستراتيجية والتجارية فناشد منليك هارنجتون لاعتبارات عاطفية أن يُبقي على علمه مرفوعاً في المتمة وطلب من هارنجتون إبلاغ حكومته بأنه لأجل اعتبارات الصداقة يود الاحتفاظ بالمتمة لارتباطه هو شخصياً وكذلك شعبه بالمتمة لأنه يوجد بها مسيحيون، وقتل فيها الملك يوحنا وأريقت فيها دماء شعبه لذلك وافقت الحكومة البريطانية على تقسيم المتمة إلى قسمين: بحيث يبقى الجزء الواقع شرقي خور ابونخرة في الحبشة ويبقى القسم الغربي في السودان، لفائدة القاريء نذكر أن يوحنا الملك كان قد قتل في معركة القلابات (مارس 1889) إبان فترة حكم المهدية.
3. كذلك كانت بني شنقول مصدر قلق واهتمام بالنسبة لمنليك، وقد ردّت الوثائق البريطانية ذلك إلى موارد الذهب الموجودة فيها وموقعها الاستراتيجي المهيمن بالنسبة للنيل الأزرق. رفض هارنجتون الاعتراف للحبشة بأي حقوق في بني شنقول، ولكنه في نهاية الأمر أبدى استعداده للوصول إلى ترتيب ما يرضي رغبات منليك وأخيراً تم الاتفاق على أن تُترك بني شنقول للحبشة وفي مقابل ذلك تُمنَح امتيازات التنقيب عن الذهب في بني شنقول للشركات البريطانية.
4. وتواصلت لعبة المصالح المتناقضة والمتماثلة في كل الحقب والأنظمة الحاكمة في البلدين وصولاً لحقبتي (الإنقاذ – البشير) في السودان ، و(جبهة التقراي – ملس زناوي) اللتان أضاعتا فرصة تاريخية لإعادة ترسيم الحدود ووضع العلامات وهو الأمر الذي كان متيسراً حينها باعتبار العلاقات الطيبة التي كانت تربط الجانبين ولكن المصالح السياسية الضيقة لكل نظام طغت على المصلحة القومية.
5. قومية (الامهرا) في اثيوبيا تقف حجرة عثرة امام عملية ترسيم الحدود (الفنيه) ووضع العلامات الدوليه على الشريط الحدودي بين السودان واثيوبيا وتمارس كثير من الضغوط السياسية داخل اثيوبيا لاسباب تتعلق باطماع تاريخيه في الاراضي السودانية، والحقيقة الماثلة هي ان كل ما يجري على الحدود السودانية الاثيوبية تاريخياً يتصل مباشرةً بقومية (الامهرا) فاتفاقية ١٩٠٢ هي نفسها من صنع (منيلك) امبراطور (الامهرا) كما ان الاتفاقية نفسها كتبت بلغتين هي الانجليزيه ولغة (الامهرنجا) على الرغم من ان النص الرسمي اعتمد باللغة الانجليزية.
6. الدافع الأثيوبي ، او بالاحرى وعلى سبيل الدقة – الأمهراوي – أس البلاء والفتنة ، لديها (مصالح) اشد خطورة من تلك (التعارضات القانونية) التي يتم تناولها عند توصيف الأزمة ، ممثلا في المصلحة (العقدية والاعتقادية).
7. الاعتقاد الديني اليهودي المُقدس ضمن قدسية معتقد أن أرض الفشقة هي (ارض الميعاد ، ارض الهيكل ، ارض النبي سليمان…. الخ ) وهي تتضح معالم الصراع وفك الإشتباك الذي نحن بصدده ، ونجد تفسيرات ودوافع التدخلات الدولية الإسرائيلية والإقليمية الإماراتية بكل النفوذ والمقدرات السياسية والإقتصادية الكافية لترجيح كفة المصالح (الإسرائيلية الأثيوبية الاماراتية).
8. بالمقابل نجد الطرف الآخر (السودان ) يدخل المعركة بدون تحديد إستراتيجية واضحة المعالم ،أو الحد الأدنى من توصيف وتشخيص الأزمة ، وحتى الآن نستطيع القول بأن السودان يعتمد على (التاريخ والقانون) وبدوافع أقل تأثيراً وأثراً (وطنية سيادية) ، حتى هذا الدوافع قابلة (للتفاهمات والتنازلات وصاحبها قصور واهمال رسمي متعمد طيلة هذه السنين.
9. فبالتالي عندما نأتي لتحليل الموقفين لوضوع تصور والتنبؤ بالمألات ، نجد ان القضية اعقد ومتشابكة وتتخطى حواجز الهيمنة والسيطرة العسكرية السودانية على الأرض، وتخضع لمعايير الحرب المقدسة لإسرائيل والامهرا وقواتها الخاصة ومليشياتها ذات الخلفية والدافع العقدي ( مسالة حياة او موت).
10. ما تقوم به حالياً المليشيا الإماراتية تجاه السُودان وولاية القضارف تحديداً ليس حرب بل هي مجرد معركة في حرب استراتيجية مُستمرة حتى ولو إنتصر السودان والقضارف فى المعركة الحالية ،،، نفصل فيه ونُبينه في المقال القادم .
نواصل ….

مقالات ذات صلة