مصر : أكثر من 150 مدرسة سودانية لا يزال مستقبلها غير واضح ما مصيرها ؟ وما اسباب ايقافها ؟
أكثر من 150 مدرسة ومركز تعليمي سوداني في القاهرة وبلدان أخرى في مصر لا يزال مستقبلها غير واضح، بعد اتخاذ السلطات المصرية قراراً بإغلاقها، مما أدى إلى وضع أكثر من 10 آلاف طالب في حالة من عدم اليقين، حسبما ذكرت لجنة المعلمين السودانيين.
أغلقت السلطات المصرية في 29 يونيو الماضي مجموعة من المدارس السودانية في القاهرة، ومن بينها ثلاث مدارس في منطقة أكتوبر واثنتان في منطقة فيصل (محافظة الجيزة)، بسبب إدارتها دون ترخيص، كما أفادت تقارير صحفية مصرية، ومنها صحيفة الجمهورية التي تملكها الحكومة.
وفقًا للصحيفة الحكومية، تم استجواب مديري المدارس من قبل الجهات الأمنية بسبب عدة اتهامات، تضمنت تحويل الوحدات السكنية إلى أنشطة تعليمية يرتادها عدد كبير من الأشخاص يوميًا، دون الالتزام بشروط السلامة العامة مما أدى إلى إحداث إزعاج للمواطنين.
تنقسم المدارس التي شملها القرار إلى مدارس خاصة أنشأها سودانيون كفروع لمدارس موجودة في السودان، ومدارس جديدة بالكامل، بالإضافة إلى مدارس مجتمعية تحصل على دعم جزئي أو كامل من منظمات أممية أو دولية لتعليم اللاجئين.
أكدت مديرة مؤسسة الفنار التعليمية السودانية في القاهرة، هياتم زكي، أن عدد المدارس السودانية المرخصة للعمل في القاهرة لا يزيد عن 21 مدرسة قبل اندلاع الحرب.
ذكرت زكي لموقع الحرة أن “عدد المدارس بعد الحرب قد تجاوز المئة مدرسة في القاهرة، وخاصة في منطقتي فيصل والهرم”، مضيفة أن “معظم هذه المدارس تعمل بدون تراخيص رسمية، سواء من السلطات السودانية أو المصرية”.
وأوضحت أن “السلطات المصرية قامت بإغلاق جميع المدارس، بما في ذلك مدرسة الصداقة التابعة للسفارة السودانية في القاهرة، فضلاً عن المدارس الحاصلة على التراخيص الرسمية”.
أشارت مديرة مؤسسة الفنار التعليمية إلى أن “القرار ليس له علاقة بالأمور الأكاديمية أو التربوية، بل هو مرتبط بتقديرات أمنية من الجانب المصري، حسبما أفاد مسؤولون سودانيون لبعض مديري المدارس”.
أشارت السفارة السودانية في القاهرة في بيان صادر في يونيو الماضي، إلى أنها في “تواصل مستمر مع الجهات المصرية للعمل على إيجاد حلول لأزمة إغلاق المدارس وتنظيم أوضاعها”.
دعت السفارة إلى ضرورة الالتزام بالشروط والموافقات المعتمدة من قبل السلطات المصرية المختصة، من أجل الحصول على التصديق اللازم لتقديم الخدمة التعليمية للمدارس السودانية في مصر.
تتطلب الشروط المصرية الحصول على موافقة وزارة التربية والتعليم السودانية، ووزارة الخارجية السودانية، وكذلك وزارة الخارجية المصرية.
تشترط الحكومة المصرية أن يتم توفير مقر للمدرسة يتوافق مع جميع المتطلبات التعليمية والعلمية والتربوية. كما يتعين إرفاق المعلومات الشخصية والسيرة الذاتية لمالك المدرسة ومديرها، بالإضافة إلى صورة من الطلب المقدم من مالك المدرسة إلى سفارة السودان في القاهرة.
يرى الخبير التربوي السوداني، إبراهيم الطاهر، أن “قرار السلطات المصرية لم يكن حكيماً ولم يأخذ في الاعتبار الظروف التي يمر بها السودانيون الذين اضُطروا للجوء إلى مصر بسبب الحرب”.
قال الطاهر لموقع الحرة إن “القرار تسبب في ضرر لأصحاب المدارس، حيث أوقعهم في خسائر نتيجة الإغلاق، كما أثر سلباً على الطلاب وعائلاتهم الذين يسعون لإلحاقهم بالمدارس لوقايتهم من خطر الانحراف”.
وأشار إلى أن المدارس السودانية في القاهرة ليست مخصصة فقط لتعليم الطلاب أكاديمياً، بل تهدف أيضاً إلى “تأهيلهم نفسياً من خلال تقديم دعم محدد لمساعدتهم على التغلب على الحالة النفسية التي يعيشها الكثير منهم نتيجة مشاهد القتال والدمار”.
وأوضح “ليس من مصلحة الدولة المصرية أن يبقى الطلاب السودانيون بلا برنامج، لأن هذا الفراغ قد يؤدي إلى انحراف بعضهم واتباعهم مسار الجريمة، مما يهدد الأمن المجتمعي في مصر”.
ذكرت الأمم المتحدة، على موقعها الرسمي، في أبريل الماضي، أنه “منذ أبريل 2023، زاد عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر خمس مرات، ليصل إلى 300 ألف شخص”.
أوضحت الصحفية المصرية المتخصصة في الشأن السوداني، صباح موسى، أن “إغلاق المدارس لم يحدث بشكل مفاجئ، بل كان نتيجة لخطوات متتابعة”.
ذكرت موسى لموقع الحرة أن “السلطات المصرية أعطت المدارس السودانية مهلة لمدة عام للعمل دون الحاجة للامتثال للشروط الصعبة الخاصة بالقطاع التعليمي، على أن يتم تصحيح أوضاعها بعد انتهاء هذه الفترة.”
وقال: “للأسف، لم تلتزم العديد من المدارس السودانية بالشروط والضوابط التي تفرضها السلطات المصرية لممارسة النشاط التعليمي والأكاديمي، لا سيما فيما يتعلق بالبيئة التعليمية ومكان المدرسة”.
ذكرت الصحفية المصرية أن “العديد من المدارس في السودان تستأجر شققًا داخل عمارات سكنية، مما يتسبب في إزعاج السكان الذين يسعون لتقديم شكاوى للسلطات بشأن هذه المدارس”.
وأشارت إلى أنه من المؤسف أن العديد من المدارس السودانية تفرض رسوماً مرتفعة على الطلاب، دون أن تقدم لهم بيئة تعليمية تتناسب مع تلك الرسوم، بما في ذلك موقع المدرسة نفسها.
يشكل السودانيون حوالي 4 ملايين من إجمالي 9 ملايين “مقيم ولاجئ” في مصر، تليهم الفئة السورية بحوالي 1.5 مليون، ثم اليمنيون بمليون واحد، والليبيون بمليون أيضا، وذلك حسب تقديرات “المنظمة الدولية للهجرة”.
بدورها، قالت مديرة مؤسسة الفنار أن السلطات المصرية تطلب من المدارس السودانية أن تتبنى نمطاً مماثلاً للمدارس المصرية في المنشآت.
وأضافت أن “السلطات المصرية اقترحت على السلطات السودانية قبل بدء الحرب استضافة المدارس السودانية في المدارس المصرية بعد انتهاء اليوم الدراسي، أي في فترة ما بعد الظهر، وهو ما رفضته السلطات السودانية بحجة أن هذا التوقيت ليس ملائماً للدراسة والتعلم”.
وقالت: “الآن بدأت بعض المدارس في تبني خيار الاستضافة، حيث استأجرت جزءًا من مباني مدارس مصرية لضمان استمرارية عملها”.
وقالت: “نأمل أن تقوم السلطات السودانية والمصرية بتسريع استكمال إجراءات المدارس التي كانت تعمل قبل الحرب، مع الحصول على تراخيص رسمية من كلا الحكومتين، والسماح لها بممارسة النشاط، وعدم اعتبارها مدارس غير مرخصة”.
ويشير الطاهر إلى أن “إغلاق المدارس السودانية في المدن المصرية ليس مجرد مسألة تتعلق بالإجراءات وتوفيق الأوضاع”، مبرزًا أن “هذا القرار جاء في وقت يتزامن مع حملة مصرية على منصات التواصل الاجتماعي تستهدف السودانيين”.
وقال إن “القرار اتخذ بعد حملة قام بها مصريون ضد صاحب صالون حلاقة سوداني، حيث عرض خريطة تضم منطقة حلايب وشلاتين كجزء من حدود السودان على جدار صالونه بشكل عفوي”.
وأكمل قائلاً: “لا أستبعد أن يكون القرار المصري ناتجاً عن التحريض ضد المدارس السودانية التي تدرس المنهج السوداني، وخصوصاً مادة الجغرافيا التي تؤكد أن حلايب منطقة سودانية.”
من جانبها، أكدت الصحفية المصرية المتخصصة في الشأن السوداني أنه لا توجد علاقة بين أزمة حلايب وقرار إغلاق المدارس السودانية في القاهرة، مشيرة إلى أن “القرار إداري ويهدف إلى تنظيم أوضاع تلك المدارس”.
وقالت: “من الصحيح أن هناك بعض الأصوات على منصات التواصل الاجتماعي التي تنتقد وجود السودانيين في مصر، وتعتبر قضية حلايب مسألة خلافية، لكن تلك القضية ليست مرتبطة بالقرار، الذي هو مؤقت ويتوقف على معالجة أوضاع معينة”.
وأوضحت أن “إغلاق مدرسة الصداقة التابعة للسفارة السودانية وعدد من المدارس المرخصة جاء نتيجة خطأ من الأفراد المعنيين بتنفيذ القرار، وليس بسبب جوهر القرار ذاته”.
أدت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى وفاة أكثر من 14 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين. وتشير الأمم المتحدة إلى أن حوالي 25 مليون شخص، أي ما يعادل نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات، وأن المجاعة تقترب.
أفادت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، في يونيو الماضي، أن عدد النازحين داخل السودان تجاوز 10 ملايين شخص.
وأفادت المنظمة أن العدد يتضمن 2.83 مليون شخص ممن اضطروا إلى مغادرة منازلهم قبل اندلاع الحرب الحالية، نتيجة للصراعات المحلية المتعددة التي وقعت في السنوات الأخيرة.
وأوضحت المنظمة الأممية أن أكثر من مليوني شخص آخر قد هربوا إلى الدول المجاورة، حيث توجه معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر.
ويعني عدد اللاجئين الذين يعيشون في الخارج والنازحين في الداخل أن أكثر من ربع سكان السودان، الذين يبلغ تعدادهم 47 مليون نسمة، قد هجروا من أوطانهم.