خبر وتعليق .. كتب أ. عبدالله حسين : بيعة العقبة الثانية نصرة للدين وإقامة الدولة الإسلامية
في شهر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة لبعثة النبي ﷺ من أواسط أيام التشريق الموافق 622م كان الحدث السياسي الأكبر الأعظم في أيام الحج حيث التقي وفد من الأوس عددهم خمسة وسبعون من الذين استجابوا لله وللرسول ﷺ بعد ذلك العمل العظيم الذي قام به مصعب بن عمير رضي الله عنه في المدينة من اتصال مع القادة والزعماء وعامة الجماهير، فأوجد بذلك رأياً عاماً للإسلام واستعداداً لنصرة الدين، فكان حضور هذا الوفد للالتقاء بالنبي ﷺ لإعطاء النصرة والمنعة للدعوة، لتنتقل إلى مرحلة جديدة من التطبيق العملي.
تحدث إليهم النبي ﷺ وعرف حسن استعدادهم وواعدهم أن يلتقوا معه عند العقبة جوف الليل في أواسط أيام التشريق وقال لهم: « *لا توقظوا نائماً ولا تنتظروا غائباً*»، وفي موعدهم المعين، وبعد مضي الثلث الأول من الليل خرجوا من رحالهم يتسللون مستخفين مخافة أن ينكشف أمرهم وذهبوا للعقبة وتسلقوا الجبل جميعا، وتسلقت معهم المرأتان (أم عمارة وأم منيع)، وأقاموا ينتظرون الرسول ﷺ فأقبل ومعه العباس، ولم يكن قد أسلم حينئذ وإنما جاء ليستوثق لابن أخيه وكان أول من تكلم فقال: يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه.
فلما سمعوا كلام العباس قالوا له: سمعنا ما قلت. ثم قالوا: تكلم يا رسول الله ﷺ فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. فأجاب الرسول ﷺ بعد أن تلا القرآن ورغب في الاسلام: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ».
فمد البراء لمبايعته على ذلك وقال: بايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. وقبل أن يتم البراء كلامه اعترضه أبو الهيثم بن التيهان قائلا: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال – أي اليهود – حبالا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله ﷺ وقال: *«بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ»*.
وهم القوم بالبيعة فاعترضهم العباس بن عبادة قائلا: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبيعون هذا الرجل؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن. فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة.
فأجاب القوم: إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. ثم قالوا: فما لنا يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك. فرد عليهم الرسول مطمئن النفس «الْجَنَّةُ» ومدوا إليه أيديهم فبسط يده فبايعوه قائلين: بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الحق لومة لائم. فلما فرغوا قال النبي ﷺ: *«أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، يَكُونُونَ عَلَى قَوْمِهِمْ»* فاختار القوم تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس. فقال النبي ﷺ لهؤلاء النقباء: «أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلَاءُ، كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي» قالوا: نعم.
ثم رجعوا إلى مضاجعهم ثم احتملوا رحالهم وعادوا إلى المدينة. وبعد ذلك أمر الرسول ﷺ المسلمين أن هاجروا إلى المدينة، ثم بعد ذلك هاجر النبي ﷺ وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وكانت إقامة الدولة. هذه البيعة العظيمة التي كانت في أيام الحج عمل سياسي عظيم وهو من أحكام الطريقة لإقامة سلطان الإسلام بعد أن استكمل الرسول ﷺ الخطوات من إيجاد الرجال ذوي الكفاية وهم الصحابة من المهاجرين وإيجاد الرأي العام للنظام السياسي الإسلامي الذي ينتزع سلطان الكفر وهو ما كانت تخشاه قريش وتحسب له الحساب وتحارب عليه الرسول ﷺ أشد ما يكون قساوة وشدة.
ما أحوجنا هذه الأيام إلى تحرك أهل النصرة لنصرة مشروع الإسلام العظيم الخلافة على منهاج النبوة الذي استكمل حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله وأعد له العدة بإعداد الرجال ذوي الكفاية الفاهمين للشرع القادرين على تنزيله على أرض الواقع والمدركين للسياسة المحلية والإقليمية والدولية والحاذقين لها، وما أوجده حزب التحرير من الرأي العام للخلافة في الأمة فأصبحت تتشوق للخلافة وعودتها وتلهج ألسنتها بها، ورعب الغرب وخوفهم من عودتها بعد أن رأوا التحولات الكبيرة في الأمة، وكثرة تصريحاتهم وخططهم ضد الخلافة والداعين لها تؤكد ذلك. ريتشارد دانات مستشار الدفاع لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال في 17/05/2010م لصحيفة ذي نيشن “بصراحة إذا تبنى المسلمون أفكار السياسة في الإسلام ونظام الخلافة فإنه سيكون غير مقبولاً وسيكون الرد العسكري من قبل بريطانيا مبرراً”. وأضاف “لا يوجد لديه مشكلة مع المسلمين في صلاتهم وإقامة الشعائر الدينية ما داموا مستسلمين وخاضعين للحياة السياسية والقيم الغربية”.
وكذلك حرب حكام المسلمين لمشروع الخلافة تنفيذا لتعليمات الغرب وأوامره وخططه فيما يسمى (الحرب على الإرهاب) بقيامهم بالاعتقال والقتل والتضييق على حملة الدعوة، والتشويه الإعلامي. واستخدام علماء السلطان في هذه الحرب كما ذكر الشيخ ماهر المعيقلي في خطبة عرفة الأخيرة (الحج ليس مكانا للشعارات السياسية ولا التحزبات… داعيا إلى الالتزام بالأنظمة والتعليمات بما يضمن أداء المناسك بأمن وطمأنينة) هو تركيز لعقيدة فصل الدين عن السياسة عقيدة الغرب الكافر وتحويل الإسلام إلى دين كهنوتي كالنصرانية.
ما أحوجنا هذه الأيام والأمة تعيش حالة التجزئة والفرقة والصراع الدموي فيما بين أبنائها كما في السودان وليبيا والعراق، وما يجري في فلسطين وغزة هاشم من تدمير للحياة وقتل وسحل لأهلنا المغلوبين على أمرهم من قبل كيان يهود بمساندة أمريكا والغرب الصليبي، ما أحوجنا إلى نصرة مشروع الخلافة من جيوشنا في بلاد المسلمين، ليعيدوا صناعة التاريخ والجغرافيا من جديد في الخلافة الثانية على منهاج النبوة وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ.
يا أهل القوة إن الأمة تنتظر تحرككم لتدركوها وتنقذوها وتعزوها، وأن تهبوا فتسقطوا هذه العروش الخائنة لله وللرسول وللمؤمنين وتسندوا وتنصروا حزب التحرير قائد هذا المشروع، فهلا استجبتم لتجددوا فعل أنصار الأمس فتقوم بكم الخلافة الثانية على منهاج النبوة؟ *﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.*
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله حسين (أبو محمد الفاتح)
منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان