مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني .. على خلفية المكالمة الهاتفية برهان – بن زايد من العدو… اين العدو !!

الفيلسوف والكاتب الإيطالي “أمبرتو إيكو” وفي دراسة له بعنوان: “اختراع العدو” يقول فيها: “إن وجود العدو مهم ليس لتحديد هويتنا فحسب ؛ وإنما -أيضاً ليوفر لنا عائقاً نقيس إزاءه قيمنا واعرافنا وثقافتنا ، ونثبت كذلك لمن حولنا ان كانت عائلة او عشيرة او امة اننا قادرون على أن نحميها من خطر عدو قادم متوهم .
ويستشهد في مقدمة دراسته بأهمية وجود العدو في حياتنا ؛ من خلال قصة طريفة يقول انها قد حدثت له في نيويورك ؛ حيث كان يستقل سيارة أجرة يقودها شخص من أصول باكستانية ، فسأله السائق بفضول عن بلده ، فأجابه “إيكو” بأنه من إيطاليا، فعاد مرة اخري السائق بسؤال آخر : من هم أعداؤكم ؟ يقول الفيلسوف الإيطالي ان السؤال قد فاجأه ولكن حمله على التفكير في اين و من هو عدو إيطاليا الان ومن ثم اخذ يفكر عميقا عن الدور الذي يلعبه العدو في تشكيل الهوية ، لأن السؤال عن العدو جاء تالياً على السؤال عن الجنسية عند هذا السائق !
مضيفا بالقول ان محاولات الإجابة على سؤال السائق الباكستاني قد عادت به إلى عالم السياسة والأمن القومي الإيطالي واخذ يفكر ويتذكر من هم اعداء إيطاليا الان ، إذ ان بلاده لم
تخلُ يوما من أعداء حقيقين او متوهمين ، واضاف بالقول ان تذكر مرحلة الحكم الفاشي بزعامة موسوليني (1922 -1943) ، والذي تولى مقاليد السلطة في إيطاليا في فترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية ، وأسس حكمه على أساس التفوق العرقي وكراهية الآخر ، وضرورة السطو والاستيلاء على ثروات الآخرين لاحداث التفوق كشرط لتحقيق نهضة قومية.
وعلي خلفية الاتصال الهاتفي الذي تم مابين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد وما راج من تكهنات وتحليلات حول من الذي بادر بالاتصال بالاخر ! وماذا دار في المكالمة الهاتفية ؟ ولكن ربما الإجابة على تلك التساؤلات ليست بأهمية الحدث نفسه ، فالتواصل المباشر بين حكام البلدين يبقى هو الحدث الأهم بعد قطيعة طويلة مرت خلالها كثير من المياه تحت الجسر ، وعبرت خلالها الكثير من غيوم وسحائب البغضاء والكراهيه خاصة من طرف الشعب السوداني لحكام الإمارات بسبب الدعم الاماراتي غير المحدود لمليشيا الدعم السريع المتمردة والخارجة عن الدولة والتي اختارت ان تحارب الجيش الوطني السوداني بل تمددت حربها ضد المواطن السوداني فارتكبت أسوأ وافظع الانتهاكات في تاريخ البشرية ، وهو الأمر الذي خلق عداوة وكراهية شديدة من الشعب السوداني لحكام الامارات ولبعض المستشارين عازفي الدفوف حتى أن تلك الصدمة قد جعلت مشجعي كرة القدم السودانيين والذين قد عرفوا بمحبتهم لكرة القدم الإماراتية وكانوا يشجعون كل فرق الإمارات ويتمايلون طربا مع إبداعات وروائع عدنان الطلياني وزهير بخيت وأهداف محمد عمر الصعبة ، ولكن اجبرتهم تلك الصدمة ان يناصروا ويشجعوا بضراوة وحماس منتخب ازربيجان ضد منتخب الإمارات بالدوحة خلال منافسات كأس اسيا الأخيرة بالدوحة ، وهي عداوة تبدو غريبة لان مايجمع الإمارات والسودان من صداقة تمتد لأكثر من نصف قرن من الزمان ، ولم تكن هنالك عناصر او مسببات لتلك الكراهية بل ان أسوأ المتشائمين لم يكن يتخيل ان تنقلب تلك الصداقة والمحبة الي عداوة وبغضاء ، ولكن تم ذلك باختيار الإمارات فهي التي اختارت ان يكون السودان في خانة الأعداء لأسباب تبدو متوهمة لان العداوة بين الأمم اما ان تكون بالوراثة او بالاختيار ، وقد اختارت الإمارات السودان ان يكون العدو الوهمي بحجة القضاء على الاسلاميين وقطع الطريق امام عودتهم لحكم السودان ، حتى ولو ادي ذلك لهدم كل المعبد على رؤوس السودانيين ، ولعل مايثير الغرابة والدهشة ان الاسلاميين بالسودان ليسوا هم العدو الحقيقي الذي تبحث عنه الإمارات وتسعى لتدمير السودان كله بسببهم ، فالمعروف عنهم انهم لم يضعوا الإمارات يوما في خانة العداء ، ولم يحدث قط ان كانت هنالك مهددات من طرف السودان للأمن القومي الاماراتي ، فالاسلاميين قد حكموا لحوالي ثلاثين عاما كانت فيها العلاقات على افضل ماتكون عدا فترة قصيرة خلال حرب الخليج الثانية وهي موجة اضطرابات في العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية كافة بسبب تداعيات غزو العراق لدولة الكويت ، ولكن سرعان ماعادت العلاقات بين البلدين منذ العام ١٩٩٥ م ، بل تمددت الي مصالح اقتصادية وهموم مشتركة في الكثير من القضايا خاصة الأمن القومي العربي وآمن البحر الأحمر ، ولم تكشف الإمارات عن وجهها الحقيقي ودرجة العداء والكراهية تجاه السودان الا بعد حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ م .
اذن العدو المتوهم هو في خيال حكام الإمارات فقط أو أن يكون الاحتمال الاخر والذي ترجحه الأوساط الشعبية السودانية والعديد من المحللين ان الإمارات مجبرة ان تلعب دور العدو مع صديق الأمس بل الشقيق التاريخي لشعب الإمارات ، وذلك لأسباب يعرفها حكام الإمارات ، وهم الذين لم يراعوا معروفا او يحفظوا مودة ومحبة كانت بين الشعبين ، بل لم يضعوا اي اعتبارات لماضي ومستقبل العلاقات بين الشعبين الشقيقين .
على اي حال يعتبر التواصل الذي تم خطوة جريئة وكانت مطلوبة منذ فترة حتى تحدث المواجهة المباشرة، عسى ولعل ان يجيب حكام الإمارات على سؤال اقلق مضاجع الشعب السوداني… لماذا تفعل الإمارات ذلك !!!

مقالات ذات صلة