فلاي مصر .. رحلات تهريب السودانيين عبر صحراء شمال السودان
من مدينة عطبرة وصلت إلى بورتسودان رفقة ثلاثة من أطفالها، كانت السيدة “ف” قد أنهت اتفاقًا عبر تطبيق التراسل الفوري “واتس آب” الأكثر استخدامًا في هذا البلد الغارق في الحرب، منذ (15) شهرًا مع سائق شاحنة لنقلهم إلى مدينة أسوان الواقعة جنوب مصر.
رحلات الهجرة غير النظامية يطلقون عليها شعبيًا “فلاي مصر”
تقول “ف” التي ترعى ثلاثة أطفال وترغب بالالتحاق بزوجها في القاهرة، إنها مكثت خلال الحرب في السودان قرابة العام، وقررت المغادرة أملاً في التحاق الأطفال بالمدارس.
العاملون في قطاع النقل البري للمهاجرين بين السودان ومصر، يطلقون على الرحلات “فلاي مصر” في إشارة إلى جودة الشاحنات وسرعة الوصول إلى الوجهات المحددة.
الحرب نفسها فرقت هذه الأسرة لأن رب العائلة منذ اليوم الأول توجه إلى شمال البلاد، بينما قررت الزوجة والأطفال الذهاب إلى مدينة واقعة شرق البلاد، مكثت هناك مع المجتمعات المستضيفة لفترة عام، وهي مضطرة بسبب القيود التي وضعتها مصر على دخول السودانيين إلى أراضيها منذ حزيران/يونيو 2023، ما أدى إلى تقطع السبل بالعائلة بعد سفر الزوج مبكرًا.
ومع تصاعد حوادث الاختفاء للمسافرين عبر صحراء شمال السودان، يصدر المتخصص في أخبار الطقس على مواقع التواصل الاجتماعي، تحذيرات بشأن موجات الحر ، بجانب نصائح بتجنب السفر خلال الصيف.
وخلال الفترة من تموز/يوليو وحتى تشرين الأول/أكتوبر، يكون الطقس شمال السودان وجنوب السودان مرتفع الحرارة، كما أن المنطقة الصحراوية لا تساعد على نشر نقاط تساعد على راحة المسافرين.
أما الطريق البري الذي يربط بين البلدين والذي جرى افتتاحه في العام 2014 رسميًا، عادة يستخدم لشاحنات نقل السلع، إذ يستورد السودان من مصر السلع الغذائية والاستهلاكية بشكل كبير منذ اندلاع الحرب وتوقف المصانع في العاصمة الخرطوم وبعض المدن.
في رحلتها عبر صحراء شمال السودان وجنوب مصر أنفقت “ف” نحو (1200) دولار نظير السفر رفقة أطفالها من شمال شرق السودان إلى مصر عبر الصحراء الواسع الممتد حتى أسوان، في طرقات محفوفة بالمخاطر، ووضعت حدًا لحياة أكثر من (80) سودانيًا ماتوا بسبب العطش والجوع والإنهاك، وفق تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين مكتب مصر.
في الصندوق الخلفي للشاحنة تُوضع الأقدام على الأرض في حال العثور على موطئ قدم، بينما تقضي ساعات طويلة من رحلتك وأنت تتمنى فقط تغيير وضعية جلوسك داخل الصندوق المعدني للشاحنة، ويجلس الرجال بوضع الأقدام في الهواء الطلق وظهرهم إلى داخل الشاحنة.
تشرح هذه السيدة مع عدم الإشارة إلى اسمها لحمايتها من الملاحقة والتي بلغت العقد الرابع من العمر صعوبة الرحلة التي كادت أن تنهي حياتهم جميعًا، بسبب عدم كفاءة الشاحنة وتعرضها إلى الأعطال حتى استبدلت بأخرى.
في الطريق بين السودان ومصر لا يمكن شرب الماء دون ضوابط، ويجب أن توزع الكمية على فترات السفر إلى حين العثور على منطقة يمكن أن تزود الشاحنة بالمياه خلال الرحلة التي تستغرق في الغالب ثلاثة أيام.
يحمل المسافرون، أولئك الذين يطلبون اللجوء إلى مصر ولو عن طريق الهجرة غير النظامية القليل من الطعام والكثير من الماء، والذي يكفي البعض لثلاثة أيام فيما يقضي آخرون الرحلة وهم جوعى إلى حين الوصول إلى أسوان.
في الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب في السودان، كانت المنظمات تستقبل اللاجئين القادمين عن طريق البر بالتأشيرة التي تمنحها سلطات الهجرة في معبر أرقين، هذه الطريقة سارت من منتصف نيسان/أبريل حتى مطلع حزيران/يونيو 2023، ومنذ ذلك الوقت وضعت القاهرة قيودًا مشددة على دخول السودانيين إلى أراضيها.
ووفقًا لإحصائيات غير رسمية فإن مصر أبعدت نحو (10) آلاف سوداني دخلوا إلى أراضيها طلبًا لإجراءات اللجوء بسبب الحرب التي تدور في بلدهم.
ويقول الحسن المقيم في مصر إن بعض العائلات السودانية تعمم منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي عن فقدان أبنائها وبناتها، البعض منهم وجد نفسه في السودان أثناء ذهابه إلى مشوار داخل القاهرة، يتم إلقاء القبض عليه ضمن الحملات التي تنفذها سلطات الهجرة، ومن هناك يُنقل على الفور إلى وادي حلفا عبر الطريق البري بالحافلات.
وأضاف الحسن لـ”الترا سودان”: “في مصر عندما يختفي الشاب أو الفتاة أو حتى المسنين من اللاجئيين السودانيين وهو سليم العقل ومعافى بدنيًا، لا يوجد سبب للاختفاء القسري في الغالب سوى تعرضه للاحتجاز، بحيث يتم إبعاده إلى السودان”.
كانت “س” السيدة البالغة من العمر (47) عامًا ضمن رحلة الموت هذه في طريقها إلى مصر رفقة طفليها، عانت كثيرًا قبل أن تصل إلى أسوان وتعرض طفليها إلى الحمى بسبب وعورة الطريق.
فور وصولها إلى أسوان وفق حديثها لـ”الترا سودان”، ذهبت إلى المستشفى وأنفقت نحو (80) دولارًا لعلاج طفليها، لم يكن بالإمكان الحصول على رعاية طبية مجانية أو مساعدة تذكر من منظمة إنسانية.
وتقول هذه السيدة إن غالبية السودانيين في مصر أو دول الجوار يعيشون على نفقتهم الخاصة، بالحصول على المال عن طريق الأقرباء من دول الخليج أو الآباء والأبناء يعملون داخل السودان في الولايات الواقعة خارج دائرة الحرب ويرسلون المال للعائلات في مصر.
ووصل إلى مصر أكثر من نصف مليون سوداني وتقدموا بطلبات اللجوء، فيما وفق البعض أوضاعه وفق إجراءات الإقامة مقابل دفع ألف دولار، تفاديًا للطوابير قرب مكاتب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
تقول موظفة في منظمة مختصة بقضايا الهجرة واللجوء لـ”الترا سودان”، إن مصر تلقت انتقادات عنيفة بسبب إبعاد آلاف اللاجئين السودانيين الذين وصلوا إليها طلباً للحماية من الحرب.
اللاجئون السودانيين تعرضوا للإهمال من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحتى الاتحاد الأوروبي وقع اتفاقات مع مصر لمكافحة الهجرات غير النظامية
وتشير الموظفة مع اشتراط عدم نشر اسمها، إلى أن اللاجئين السودانيين تعرضوا للإهمال من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحتى الاتحاد الأوروبي وقع اتفاقات مع مصر لمكافحة الهجرات غير النظامية، ودفع بسخاء لمشاريع تنموية حتى تغلق السلطات الباب أمام المهاجرين في المتوسط.
وترجح إبعاد آلاف السودانيين من دول الجوار بنفس هذه المبررات، وأعربت عن قلقها من وصول السودانيين إلى مرحلة البحث عن أوطان بديلة في ظل استمرار خطاب شعبوي يرفض استقبال اللاجئين بإيعاز من أطراف لديها مصلحة في هذا الخطاب.