مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : هتافات قادة تقدم بمؤتمر القاهرة… عودة الي الصفر البارد !!!

مؤتمر القاهرة الذي بدأ بطموحات عالية تعلق بها اهل السودان جميعا ولكنه سرعان ما انتهى الي مولود صغير مشوه جاء بعد مخاض عسير كان نتاجه او خلاصتة عبارة عن بيان بروتكولي صغير كتب بانفاس واصابع تقدم ، وقد تعمدت تلك الأنامل التي صاغته ، تعمدت ان تتحاشي توجيه النقد او الادانة للدعم السريع ، وعجزت عن ان تنطق بكلَمة حق عن ظلم الجنجويد لأهل السودان .
ومهما يكن من امر فانه وفي تقديرنا ان المؤتمر قد أحدث حراكا قوميا سودانيا بعد فترة ركود طويلة وسكون سياسي قاتل قد اصاب كل المنظومة السياسية بالسودان ، وقد جاء هذا المؤتمر برعاية ورغبة مصرية صادقة في لم شمل الأسرة السودانية للحفاظ على الدولة السودانية من الانهيار والتفكك ، وقد استطاعت مصر جمع الفرقاء السودانيين لأول مرة بعد مرور أكثر من عام علي الحرب المفروضة على قواتنا المسلحة.
ورغم ان المؤتمر قد تجاهل وجود اهم فاعلين ولاعبين في الساحة السياسية والأمنية السودانية وهما الجيش السوداني والحركة الإسلامية السودانية واجهتها السياسيه ( المؤتمر الوطني) ذلك الحزب الكبير المحلول .
ولعل أكثر مالفت انتباهنا هو منظر وقوف قادة تكتل تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدم) وهم يهتفون بشكل طفولي مشيرين باصابعهم بعلامة النصر وبعضهم بعلامات أخرى عرفت بها المكونات السياسية الإسلامية مثل إشارات الانتهازي سليمان صندل الذي باع كل شيء وتخلي عن مبادئه وقضية اهله وقد أصبح مهووسا فقط بكيفية الانتقام والتشفي من قادة ومواطني السودان النيلي .
تألمنا بشدة ونحن نشاهد هؤلاء القادة وهم يتصرفون بنفس الأساليب والطرق القديمة ، تلك الهتافات والتصرفات الصبيانية التي كانوا قد درجوا عليها حينما كانوا في سدة الحكم ، وهي نوع من السذاجة وعدم المسئولية وضياع الوقت ، انه لمحزن ان نشاهدهم وهم لازالوا بنفس عقلية ماقبل الحرب ، مستمرين في غرورهم وتجبرهم وغبائهم واحقادهم القديمة َوعبارات مكررة قد ملها الشعب السوداني ، لم يتغير شيء واعادونا الي نقطة الصفر البارد لأنهم في اوهامهم البالية يريدونها سلطة صافية لهم وحدهم مع بعض اللاعبين الكمبارس من الذين يمكن أن يضعوهم على الهامش .
كم كنا نود ان يكون هذا العام الذي مضى ثقيلا وقاسيا على السودان بعد أن اذاقت فيه عصابات الجنجويد الشعب السوداني الويلات والألام بعد ان مارست القتل والسلب والنهب والخراب والتدمير والتهجير للمواطنين ، اغتصبوا الفتيات والنساء وباعوا بعضهن في اسواق الغرب الأقصى ، سلبوا المنازل والمكاتب والشركات والبنوك ودمروا المؤسسات والأسواق والفنادق والمستشفيات ولم يتركوا مذمة او منكرا او فعلا قبيحا الا وارتكبوه في حق المواطن السوداني بالخرطوم والجزيرة كردفان ودارفور .
كل تلك الأفعال الشائنة و الانتهاكات الفظيعة لم تشغل بال تقدم بقدر ما كان يشغلهم ضرورة عدم حدوث وفاق سوداني تام وكامل ومنسجم ، لان الوفاق التام سيضم الاسلاميين ذلك البعبع المزعج الذي يشغل قلوبهم وعقولهم ليل نهار .
هم فقط يركزون على ضرورة عدم وجود الاسلاميين بالسودان في اي شكل سياسي او اجتماعي او اقتصادي او أمني وهو امر مستحيل بحسابات السياسة في السودان ، رغم ان قادة تقدم يعلمون جيدا ان الاقصاء مستحيل والقضاء التام على الاسلاميين بالسودان من رابع المستحيلات .
وقد كان من المؤسف جدا أن تشاهد جموع الشعب السوداني الموجودين في الداخل والذين اكتووا بعذابات النزوح القسري هربا من بطش مرتزقة الدعم السريع ، وكذلك معاناة السودانيين الذين لجأوا الي بعض دول الخليج ومصر وليبيا والي عدد من البلدان الأفريقية جنوب السودان وتشاد إريتريا إثيوبيا ويوغندا ورواندا والذين يواجهون ظروفا قاسية واوضاع نفسية وإنسانية معقدة، تواجه الان من لجأوا الي ليبيا ومصر و إثيوبيا ، انه قد كان أمرا محزنا لهم ان يشاهدوا قادة تقدم وهم يصطفون بشكل مسرحي وهم يهتفون بعبارات مسرح الرجل الواحد ، متناسين ومتجاهلين حجم المعاناة والأسى والمأسي التي تواجه المواطن السوداني بالداخل المكتوي بنيران الغلاء الطاحن وشح بل انعدام الخدمات الضرورية، بجانب ما يلاقيه المهجرين بالخارج من إهانات واحتقار في بلدان اللجوء ، كلها اسباب انسانية لم تؤثر او يتاثر بها قادة تقدم ، فمازالوا في غيهم واوهامهم القديمة وهتافاتهم البالية الكذوبة (حرية، سلام ، وعدالة) والثورة خيار الشعب ، نعم هي خيارات مشروعة قد امنت بها مجموعات شبابيةصادقة وضحت بالغالي والنفيس من أجلها لتكون واقعا في المشهد السياسي بالسودان ، حتى تكون هنالك حرية في السودان ، حرية حقيقية تأتي بعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة عقب فترة انتقالية صحية معافاة من المأرب الشخصية وتصفية الحسابات الخاصة ، مع اعداد دستور انتقالي متوافق عليه يجمع كل السودانيين ولايقصي أحدا ، وبعدها بكل تأكيد ستتحقق العدالة والسلام ويأتي الدستور الديمقراطي الدائم لحكم البلاد ، هذه هي خيارات الثورة الحقيقية وليست الشعارات الكذوب المزيفة على لسان قادة تقدم.
فما يهم قادة تقدم فقط هو كيفية التشفي والانتقام وشرب دماء خصومهم الاسلاميين والكتلة الديمقراطية ، كل همومهم تنحصر في ان يتم القضاء تماما على الاسلاميين عبر بندقية الدعم السريع التي يحتفون بها سرا وعلانية ، وامانيهم ان ينثر رماد الاسلاميين في الهواء وهي واحدة من الأماني التي صرح بها احد قادة اليسار السوداني المتطرف في لقاء على الهواء خلال الفترة الانتقالية الانتقامية على رأي الست هبة .
كم كنا نود ان نرى قادة تقدم بشكل جديد وهم يجلسون في شكل دائري مترجين مجموعة الكتلة الديمقراطية ان تنضم لهم ، وان يستوعبوا في تلك الدائرة الوطنية كل التيارات السياسية السودانية جميعها اسلاميين وانصار السنة وغيرهم دون اقصاء او رفض لاي طرف سياسي.
كم كنا نأمل ان يحدث تنازل ونزول عن البرج العاجي من اجل إيقاف معاناة الشعب السوداني وانقاذه من هذه الكارثة التي وضعته في خانة النزوح واللجوء والتشرد و الضياع والجوع ، وكم كنا نأمل ان نرى موقفا قويا وموحدا من تكتل تقدم ليدين الاعتداءات المستمرة التي تتعرض لها مناطق واسعة بالسودان من قبل عصابات الدعم السريع الاجرامية ، ولكن بعد ذلك الظهور المخزي و الخائب لقادة تقدم وإظهارهم التعاطف الانحياز المبطن الذي يظهر في مراوغات لسان حمدوك والتأييد العلني الذي تظهره تصريحات ابوالجوخ والفكي مايؤكد انحيازهم الفاضح الي جانب الدعم السريع ضد جيش بلادهم ، وكل امانيهم ان ينتصر الدعم السريع على القوات المسلحة وعلى المواطن السوداني ليعودوا الي الحكم باي ثمن.
هذه المواقف الرمادية قد اصابت قطاعات واسعة من الشعب السوداني بالاحباط والياس والحسرة ، وهم يشاهدون نفس الوجوه بنفس التحركات الجسدية التي تظللها نزوات التشفي والانتقام والتي يحاولون مداراتها بمسحة نبل كاذبة ، ولكن لغة الجسد تشير إلى نفاق وخبث لايخفى على صاحب بصيرة .
انه لمحزن حقا ان يشاهد المواطن السوداني المكلوم ، محزن ومؤلم ان يشاهد تصرفات ساذجة وطفولية لقادة تقدم وهم يتصرفون
بغباء يحسدون عليه ، هل يعقل ان لا يكون بينهم رجل بدهاء المحجوب او مكر الترابي وحكمة الصادق المهدي وأدب ورزانة نقد ، الا يعرفون كيف يلعبون بولتيكا ، اليس فيهم دارسا للعلوم السياسية ليعلمهم ان السياسة هي فن الممكن وليست هي التمسك المستحيل.
انه امرا مثيرا للدهشة والاستغراب ، امر يدعونا للبكاء حزنا ولوعة على مستقبل السودان ، وختاما نصرخ مع شاعر النيل حافظ ابراهيم…..
الام الخلف بينكما الاما….
وهذه الضجة الكبرى علاما .

مقالات ذات صلة