مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : إلى مجلس الأمن الدولي… قليل من الحياء يكفي…
في العام 2014 م وقد كنت مستشارا بمفوضية حقوق الإنسان ، كلفت ضمن فريق استشاري ضم عدد من أعضاء لجنة يتبع منسوبيها لوزارتي الخارجية والعدل وبعض أعضاء المجلس الوطني للذهاب الي منطقة تابت بولاية شمال دارفور ، وذلك لأجل الوقوف ميدانيا على حادثة اهتم لها مجلس الأمن الدولي وعقد جلستين طارئتين بشأنها ، مايؤسف له ان الحادثة التي افرد لها مجلس الأمن الدولي أكثر من جلسة كانت عبارة شائعة وفرية وقصة مختلقة من إذاعة راديو دبنقا والتي تلقفت خبر وجود خلاف بين عسكري يتبع حامية الجيش وعائلة زوجته وقد اعتدى العسكري على زوجته وحدثت اشتباكات وضرب متبادل بينه وعائلتها ما دعاه للخروج من القرية ، احد المؤيدين لحركة عبدالواحد ارسل الخبر الي إذاعة راديو دبنقا ، فحدث الشيطان محرر الاخبار بالإذاعة المعارضة لحكومة البشير وهي اذاعة تبث أثيرها من هولندا ، ففكر هذا المحرر وتدبر وقال لما لا نخلق من هذه الخبر قصة خيالية يمكن أن تجد صدي سياسي ونحقق بها هدفا او أهدافا في مرمى الحكومة السودانية ، فخرجت قصة اغتصاب الجيش السوداني لعدد (200) سيدة بمنطقة تابت في حادثة اغتصاب جماعي تم الترويج لها بكل مواقع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة بالسودان ، وقبل وصولنا الي هناك سبقتنا لجنة مكلفة من بعثة من اليوناميد على عجل الي منطقة تابت وقد تفاجئوا ان عدد عساكر الحامية المنسوبين للجيش السوداني يقل عن ثلاثين عسكري ولديهم علاقات اجتماعية وطيدة مع أهالي القرية بل ان أكثر من عشرة من عساكر الحامية متزوجين من القرية وكل نساء المنطقة قد حضرن الي المكان بوسط البلدة لنفي الحادثة ، وقد تفاجئت اللجنة ان كل النساء بالبلدة قد حضرن وهن في صحة جيدة وعدد كبير منهن قد حضرن برفقة ازواجهن ولم تكن هنالك اي مظاهر إعياء او اثار اعتداء على اي منهن وقد كن في صحة جيدة وقدمن لنا الحلوى والمنتجات البلدية كنوع من الترحيب بضيوف البلدة ، وبعدها بدأت عمليات الاستجواب من قبل أعضاء لجنة اليوناميد وكوضع طبيعي كانت حولهم مجموعة من عناصر الشرطة وعدد قليل من عناصر الجيش السوداني الذين يتبعون للحامية الصغيرة وقد كانوا في دهشة مما يجري أمامهم وفي دواخلهم يضحكون من سذاجة بعثة اليوناميد وسذاجة من كلفها بذلك وهو مجلس الأمن الدولي الذي عقد جلسة طارئة وارتهن الي إشاعة سوداء ليس لها اساس من الصحة ، البعثة انهت عملها سريعا وكل أعضاءها قد تملكتهم الدهشة و الاستغراب من عدم وجود ماتم الترويج له ، وادركوا انهم بالفعل قد كانوا بالفعل ضحية لشائعة قد اطلقتها إذاعة راديو دبنقا لاغراض سياسية ، وحين عودة اللجنة الي الفاشر أصدرت بعثة اليوناميد بيانا نفت خلاله ان تكون هنالك حادثة اغتصاب جماعي بالمنطقة، وهنا ثارت ثائرة من روجوا لتلك الفرية وانتقدوا اللجنة المكلفة كيف لها ان تقول ذلك ، وبعد قليل تداول من قبل مستشارين بمجلس الأمن وقد كانوا يمنون أنفسهم ان تكون تلك الحادثة حقيقية حتى يزيدوا من الام الحكومة السودانية المصنفة حينها انها دولة متمردة وخارجة عن منظومة الاجماع الدولي ، وهي منظومة مبنية على الظلم والبطش بالدول الضعيفة ومحابية لإسرائيل وحامية لها ضد اي ادانات او قرارات بحقها ، وهي منظومة تتحكم فيها دول بعينها ويتم من خلالها توظيف مجلس الأمن الدولي لإيجاد الشرعية لاي إجراءات انتقامية ضد الدولة المتمردة على الظلم كما حدث مع العراق والسودان ابان عهد حكومة الانقاذ ويحدث الان ضد روسيا .
وبعد أن أصدرت اللجنة المكلفة تقرير براءة للجيش السوداني وقد كنا شهودا على عملها هناك ، لكن سرعان ماخرج بيان من مجلس الأمن الدولي يقول انه لايعترف بنتائج التحقيق التي أجرتها اللجنة المكلفة من قبل بعثة اليوناميد لان أعضاء اللجنة بحسب البيان قد تعرضوا للخوف والنساء كذلك لم يقلن الحقيقة لان هنالك مجموعة من عساكر الشرطة والجيش كانوا يشاهدون عمليات التحقيق التي كانت تتم على الهواء و تحت ظلال الشجرة الكبيرة بوسط القرية بحسب زعمهم ، وعقب صدور البيان الذي نشرته البعثة بموقعها ونفت خلاله وجود عمليات اغتصاب جماعي ، هنا ثارت ثائرة العديد من المنظمات الدولية التي كانت قد احتفت بالحادثة المفبركة وطلب بعدها مجلس الأمن من اللجنة سحب البيان من الموقع الالكتروني لبعثة اليوناميد ، بعدها وبشكل استفزازي طلب مجلس الأمن الدولي من الحكومة السودانية ان تسمح لبعثة أخرى بالذهاب الي المنطقة عسى ولعل ان تخرج بتقرير جديد يؤكد الحادثة التي لاوجود لها على أرض الواقع .
وحين رفضت الخارجية السودانية الطلب الجديد ، نعتقد انه قد وجد ذلك الرفض نشوة وفرحة مكتومة من قبل لجان التأمر بمجلس الأمن الدولي وكأنهم كانوا يقولون في سرهم (نحن اصلا كنا نتمني ان ترفضوا) حتى لاتتعرض اللجنة الجديدة لنفس الاحراج الذي واجه اللجنة الأولى , ومع ذلك فقد قوبل ذلك الرفض من الخارجية السودانية بموجة انتقادات واسعة للحكومة السودانية وفي كل جلسة خاصة في مجلس الأمن الدولي لاتخلو تقارير المبعوثين الدوليين عن تناول تلك الحادثة الخيالية المفبركة ، وحتى حين يتحدث مندوب السودان الدائم خلال جلسات الأمم المتحدة وقد كانت تناقش قضايا السودان بمعدل كل شهر تقريبا ، لاينسى المتداخلون تذكيره ومعايرته بحادثة تابت.
اوردت تلك الحادثة لكشف مستوى النفاق والبؤس الذي يتعامل به مجلس الأمن الدولي الان مع أحداث السودان المأساوية وهو إذ يغض طرفه ولسانه عن ما ترتكبه مليشيا الدعم السريع في حق الشعب السوداني .
فالمجلس الأممي يتجاهل عن عمد الحوادث الفظيعة في حق المدنيين من سلب ونهب وقتل وتشريد وتصفية الاسري ، مجموعة جرائم ترتكبها المليشيات وفيها عمليات اغتصاب جماعي تمت بأحياء الخرطوم وودمدني ومناطق عديدة بالجزيرة بل وصلت الجراءة بمليشيات الدعم السريع انهم يرتكبون عمليات الاغتصاب الجماعي ويجبرون رب العائلة ان يشاهد ذلك وفي حال رفضه يطلقون الرصاص على راسه ، وقد اوردت قناة العربية وهي بالطبع قناة ضد توجهات الحكومة السودانية الحالية بل هي أقرب الي الدعم السريع في تغطية أخبار الحرب ، اوردت تلك القناة لقاءا مع واحدة من الفتيات السودانيات اللائي لجأن الي القاهرة للعلاج من الآثار النفسية والجسدية جراء اغتصابها هي وأخواتها الأربعة من قبل عناصر الجنجويد وقد اجبروا والدهن على مشاهدة عملية الاغتصاب الجماعي لبناته تحت تهديد السلاح ، وقالت الشاهدة انهن قد ذهبن للمستشفى وحينما عدن إلى المنزل وجدن ان والدهن قد انتحر بتعليق نفسه في سقف المنزل ، إذ لم يتحمل العار والظلم الذي لحق به وبعائلته ، وهذه واحدة من مئات الروايات والقصص المأساوية التي يعلمها جيدا مستشاري مجلس الأمن الدولي ، ولكن لم يكلف هذا المجلس نفسه يوما واحدا ان يخصص جلسة خاصة عن الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبتها مليشيات الدعم السريع بالسودان ، وهي انتهاكات موثقة من طرف المليشيات في جراءة تبدو غريبة على كل مرتكب جريمة خاصة تصفية اسري للجيش السوداني وبعض المواطنين العزل امام الكاميرات ، ويبدو انهم مطمئنين وواثقين ان المجتمع الدولي معهم ويساندهم بشدة ، ولكن فليعلموا ان الشعب السوداني شعب مثقف وواعي بشئون السياسة الدولية ، وهو شعب يعلم تماما أن مجلس الأمن الدولي بوضعه الحالي تبيعه وتشتريه الإمارات باموالها ونفوذها الطاغي كيفما تشاء ومتى تشاء ، وهي الآن لديها مقعد ضمن العشرة أعضاء غير الدائمين .
مجلس الأمن الدولي أصبح رهينا لرغبة ثلاثة دول ليس لديها مباديء او اخلاق ، وهي دول طالما تتحدث كثيرا عن القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني والمواثيق والعهود الدولية وعن العدالة والشفافية والحياد وغيرها من المبادىء الإنسانية التي انشات من أجلها عصبة الأمم وبعدها تطورت الي الأمم المتحدة ، ولكنها فقط احاديث عن تلك المباديء من أجل أن تبدو الصورة زاهية وجذابة ، وهو نفاق سياسي تعلمه إدارات تلك الدول ففي نظرهم ان مبادىء الأمم المتحدة مجرد وثائق مكتوبة و محفوظة في ادراج مكاتب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى بشكل جيد وهذا يكفي. العضوين الآخرين من ضمن الخمسة الكبار الدائمين بمجلس الأمن الدولي وهما الصين وروسيا ، فهما قد يتحركان بجدية في الاتجاه المضاد بحسب مستوى المصالح الاقتصادية او حجم الميزان العسكري مع الدولة التي تتعرض للظلم من الأعضاء الثلاثة الدائمين بمجلس الأمن الدولى ونعني الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ، وهي دول تدعم الان مليشيات الدعم السريع وتنسق بشكل سري وعلني مع الإمارات العربية المتحدة وتتمنى في دواخلها ان تحقق المليشيا الانتصار على الجيش السوداني لأجل إعادة وثيقة الإطاري واعادة مجموعة عملاء يأتمرون بأمر دولة الإمارات الراعية والممولة الان لمليشيا الدعم السريع الإرهابية ، الا ان الشعب السوداني يعتبرهم اشبه بحامد كرزاي الافغاني ، وعلي مجلس الأمن الدولي أن يشعر بقليل من الحياء على هذا الصمت المخزي تجاه مايجري من انتهاكات بالسودان ، وكذلك يجب أن تعلم الدول الثلاث وهم من الأعضاء الدائمين الأكثر نفوذا بمجلس الأمن الدولي ، عرفت هذه الدول الثلاث بتحكمها في قرارات مجلس الأمن الدولي ومحاباتها ومساندتها لإسرائيل في ظلمها وفي سلوكها المتوحش تجاه الفلسطينين ، وهي دول ظلت مساندة للظلم أينما كان طالما المعتدي عليه مسلما ان كان في غزة او بورما او الخرطوم ، وعليهم أن يعرفوا ان الشعب السوداني عصيا على الترويض والانكسار وهو من أكثر شعوب العالم عزة وكرامة ويرفض الظلم والاحتقار ، هذا الشعب الان يساند ويؤيد جيشه باجماع كبير واصطفاف داخلي كامل ، ولن يسمح ابدا بعودة الإطاري وقيادات تقدم للحكم مرة أخرى بالسودان ، او إعادة الدعم السريع الي وضعه الذي كان عليه قبل ١٥ أبريل ٢٠٢٣ م .