مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : المقاومة الشعبية علقوها في براميل النفط.. شنقوها بالعقال !!
في العام ١٩٨٥م وحينما كان الاحباط العام يسود المنطقة بسبب عجز الدول العربية قاطبة عن مواجهة الصلف الإسرائيلي وإيقاف مدهم العسكري الذي تجاوز الضفة الغربية والتهم الجنوب اللبناني بالكامل، ظهرت مابين غمام اليأس وليالي بيروت الحزينة حسناء يافعة تدعي سناء محيدلي، وهي التي سطرت اسمها في سجلات تاريخ المقاومة للاحتلال الإسرائيلي بعد أن نفذت اول عملية فدائية أسفرت عن مقتل عدد من الضباط والجنود الاسرائليين بالجنوب اللبناني.
فدائية سناء محيدلي الهمت الوجدان العربي واشعلت جذوة النضال ضد الاحتلال الصهيوني ولقبت بعروس الجنوب وصارت احد رموز المقاومة الشعبية اللبنانية والعربية، وسميت باسمها العديد من الشوارع والمساحات والمدارس ، وكتبت عنها العديد من القصائد بل تغني لها الملك محمد منير في واحدة من اغنياته الخالدة.
في السودان وخلال الفترة الانتقالية الصحية التي اعقبت سقوط مايو ومهدت لانتخابات حرة ونزيهة كما هو الحال في اي ثورة الا ثورة ديسمبر السودانية التي تم تشويهها وتجييرها لتكون فترة انتقامية قضت على الأخضر واليابس بالسودان، وخلال الفترة الانتقالية تلك كانت الصحف تصدر تباعا والندوات والليالي السياسية في كل مكان ، كيف لا وقد كان يدير الفترة الانتقالية مجلس عسكري انتقالي برئاسة الراحل المشير سوار الذهب وصحبه الكرام والذين لم يلتفتوا ابدا للخارج بل كانوا مع رغبات شعبهم ولم تكن لديهم نوايا شريرة او أهداف شخصية ، وخلال تلك الفترة نشرت صحيفة (صوت الشارع) قصيدة لشاعر سوداني مغمور يدعي عصام الدين الهادي، وقد كتب قصيدة كانت من أروع القصائد في رثاء سناء ، إذ يقول في مطلعها،،،
سناء سامحينا
اذا أخطأنا او نسينا
فقد تعودنا ان ننسى حتى اسماء
قاتلينا
وفي مقطع اخر
يقول
سناء نار
سناء جلنار
سناء علقوها في براميل النفط
شنقوها بالعقال..
وعطفا على تعليق سناء محيدلي وشنقها بالعقال او بحبال التردد والخوف من الخارج ، فقد قتلت المقاومة الشعبية وهي التي كانت قد هزت عرش كهنة المتأمرين على السودان وزلزلت الأرض تحت اقدامهم بل اقلقت منامهم وقد نشرت الرعب في قلوب مليشيات الجنجويد التي توقفت عند محطة ودمدني بعد أن كانت تنوي اجتياح العديد من المدن شرقا القضارف وشمالا مدن نهر النيل ، الا ان خروج المقاومة الشعبية كان مثل المارد العملاق الذي نهض فجأة بعد أن تلقى ضربات على راسه ، وقد الهب ذلك الظهور القوي للمقاومة الشعبية، الهب الحماس في نفوس الشباب فاستقبلت المعسكرات آلاف الشباب الثائر في مدن السودان المختلفة ، وانهالت التبرعات تباعا من كبار رجال الأعمال في نهر النيل برز ازهري المبارك وفي شرق السودان كان الأسد كرم الله عباس الشيخ. وقتها قد تفائل الناس خيرا وتوقعوا التحاما قويا مابين القوات المسلحة السودانية وقوات المقاومة الشعبية للزحف الي ودمدني ومنها إلى العاصمة وبقية مدن السودان تلك التي دنستها أقدام المرتزقة ومليشيا الجنجويد ، ولكن قد كان في المقابل هنالك ترددا وبطء آثار الشكوك والريبة في قلوب الشعب السوداني ، ذلك التردد كان من قبل قيادة الدولة في شأن تسليح المقاومة الشعبية وسن قوانين لها تنظم عملها وتوضح العلاقة بينها والقوات المسلحة، بجانب حفظ حقوق المستنفرين وتوفير بعض الاحتياجات الضرورية لهم ولعائلاتهم .
المؤسف ان القيادة السياسية لم تتوقف في خانة التحفظ والتردد بل انتقلت الى خانة الهجوم والقضاء على المقاومة الشعبية، إذ ارسل نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية تحذيرات وتهديدات عنيفة من استاد القضارف للمقاومة الشعبية ونعتها بعدد من الصفات وركز على سلبياتها ، في خطاب واضح انه يخاطب الخارج أكثر من الداخل، ليثير بعدها الاحباط العام و ينشر اليأس في قلوب من أبدوا استعدادهم لدفع الغالي والنفيس من أجل القوات المسلحة حامية الأرض والعرض ، بعده مباشرة اطلق رئيس مجلس السيادة رصاصة الرحمة على المقاومة الشعبية إذ أشار الي انهم يشعرون بالاحراج جراء الظهور الاعلامي لكتائب البراء وهي بلا شك جزءا هاما ورئيسيا من مكونات المقاومة الشعبية ، ولعل الاحراج الذي يعنيه السيد القائد هو انتقادات المجتمع الدولي وبعض عناصر تقدم للمقاومة الشعبية وتخوفهم منها .
الان وقد تمددت مليشيات الجنجويد شرقا وجنوبا لتحتل سنجة وتهدد الدندر الدمازين وليس ببعيد القضارف وسنار تحت نيرانهم ، إذ استغلت تلك المليشيا الفراغ الكبير الذي خلفه عدم وجود رجال المقاومة الشعبية وهو فراغ جاء نتيجة إرهاق القوات المسلحة السودانية وانتشارها في جبهة عسكرية عريضة وكبيرة فقد كان من المؤمل ان تسد المقاومة الشعبية اي فراغ لتكون سندا وظهيرا للجيش ، ونعلم ان الجيش السوداني يقاتل في عدة جبهات ويحتاج إلى اعداد كبيرة من الرجال وللدعم الفني و اللوجستي والذي كانت ستوفره المقاومة الشعبية ، ولكن من الواضح أن المقاومة الشعبية قد شنقوها بعقال المنامة.